الطريق- إياد الجعفري
بعد أن تنفس سوريو تركيا، والمناطق "المحررة"، الصعداء، إثر فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتحالفه الحزبي في الانتخابات الرئاسية والنيابية، في الشهر الجاري، صعد إلى السطح مباشرةً، سؤال: كيف ستتغير السياسة التركية حيال الملفات التي تعني السوريين، بعد عبور هذا المنعطف الانتخابي التاريخي؟
ربما يكون الجواب واضحاً وجليّاً في تصريحات ومواقف أردوغان ومسؤوليه، في الأسابيع الأخيرة، قبيل الجولة الثانية من الانتخابات. ويمكن تحديد ثلاثة ملفات تعني السوريين مباشرةً، في السياسة المرتقبة لأنقرة، خلال الفترة المقبلة.
الملف الأول، يتعلّق بموقع تركيا من حالة الصراع الغربي – الشرقي، بين تكتل يزداد تمظهراً وتماسكاً، تقوده روسيا والصين، ويضم إيران ودولاً أخرى، وبين التكتل الغربي، الذي تقوده الولايات المتحدة، ويضم الدول الأوروبية الفاعلة. وبهذا الصدد، لا تغيرات نوعية منتظرة في موقف أردوغان، والمشاركين في صناعة سياسته، حيال هذا الملف. فتركيا لن تكون شرقية ولا غربية، إذ ستواصل العمل على الوقوف في المنتصف، والرهان على توفير أكبر هامش ممكن من الاستقلالية. وهي السياسة ذاتها التي اعتمدتها تركيا منذ العام 2018. مع إضافة نكهة جديدة ميّزتها، في السنتين الأخيرتين؛ إذ توجهت أنقرة نحو تصفير مشاكلها مع عدد من الدول في الإقليم، في مقدمتها، السعودية والإمارات ومصر. وهو مسار من المرتقب، استمراره، باتجاه تغليب المصلحة الاقتصادية على الصراعات الآيديولوجية والسياسية، في العلاقة مع هذه الدول، تحديداً.
أمّا الملف الأكثر أهمية بالنسبة للسوريين، في سياسة تركيا المرتقبة، فهو مصير مسار التفاهم مع نظام الأسد برعاية روسية، والذي اكتسب زخماً كبيراً من جانب المسؤولين الأتراك، منذ الصيف الفائت. وهو مسار، ستواصل الحكومة التركية السير فيه، لكن بوتيرة أبطأ، مع التمتع بهامش مناورة أكبر، بعد أن تخلص أردوغان من الضغط الانتخابي، واستطاع سحب ورقة التطبيع مع النظام من قبضة المعارضة. وهو أمر تبدى جلياً في تصريحات أردوغان، حتى قبل الفوز بأيام. إذ رفض الرئيس التركي شرط النظام المسبق للتطبيع معه، بالانسحاب من الأراضي السورية، معتبراً أن ذلك غير ممكن مع بقاء ما يصفها بـ "التهديدات الإرهابية".
لذا فإن سيناريو الانسحاب التركي من شمال سوريا، والتخلي عن "الجيش الوطني"، لصالح النظام، أمر مستبعد للغاية. إذ يمثّل خسارة صافية لتركيا، ولكل جهودها للتأثير في المشهد السوري، على مدار العقد الفائت. كما أنه يترك تركيا دون منطقة عازلة مع خطر تجدد موجات اللجوء، في حال تفجر الوضع السوري مجدداً، وهو أمر، ليس مستبعداً بالمطلق. ناهيك عن أن سيناريو الانسحاب التركي المباشر، قد يعني تمدد القوى الكردية في المنطقة العازلة التي لطالما راهنت تركيا على تأسيسها، لمنع ذلك.
أمّا في ملف إعادة اللاجئين، فكان أردوغان واضحاً للغاية في الأيام القليلة التي سبقت إعلان الفوز. وقد رسم مساراً لا لبس فيه، حيال مخططه لتنفيذ ذلك. وهو العمل على إعادة مليون لاجئ سوري، من سوريي تركيا البالغ عددهم نحو 3.7 مليون نسمة، إلى شمالي سوريا، بعد إعمار تلك المنطقة، بتمويل قطري، وخلال عدة سنوات. وهو مسار وضعت السلطات التركية اللبنات الأولى له، قبيل الجولة الثانية من الانتخابات، مباشرة.
أي أن أردوغان لا يراهن كثيراً على تفاهمٍ، يتيح إعادة اللاجئين إلى مناطق ضمن سيطرة النظام، كما سبق وألمح وزير خارجيته؛ لأن ذلك يتطلب مرونة مفقودة من جانب النظام، ويتطلب ضمانات أمنية وقانونية، وحركة إعادة إعمار، ما تزال خاضعة لفيتو غربي صارم.
وقد يقول قائل، إن تحدي الانتخابات البلدية، المرتقب في آذار/مارس 2024، ورغبة أردوغان في استعادة البلديات الكبرى التي خسرها في انتخابات العام 2019، وفي مقدمتها، إسطنبول وأنقرة وأنطاليا، تفرض على الرئيس التركي القيام بخطوات نوعية لإعادة اللاجئين السوريين، لإقناع الشارع التركي بأنهم لم يعودوا عامل ضغط على الوضع الاقتصادي. وهي قراءة صحيحة من جانب، لكنها تتجاهل عوامل أخرى قد يستفيد منها الرئيس التركي وتحالفه الانتخابي، للعمل على تحقيق اختراق في الانتخابات البلدية المقبلة. وهو ما أكدته تجربة الانتخابات الأخيرة؛ إذ بالرغم من أن خطاب المعارضة الشعبوي، كان قد وصل إلى مستويات غير مسبوقة من تأجيج خطاب الكراهية ومشاعر العنصرية في الشارع التركي، إلا أنه لم ينجح في سحب البساط من تحت أقدام الرئيس التركي، الذي بقي صاحب القبضة العليا في إدارة لعبة التوازنات السياسية الداخلية.
أي باختصار، لن نشهد تغيرات نوعية في سياسة أنقرة تجاه الملفات التي تعني السوريين، خلال الفترة المقبلة. وهي سياسة ستستمر بالسير وفق المعالم نفسها التي حكمتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ربما، باستثناء، هدوءٍ مرتقب في زخم الاندفاع التركي، للتفاهم مع نظام الأسد.