الطريق- إياد الجعفري
كان لافتاً للغاية ذاك الخبر الذي نشرته وكالة "رويترز" مؤخراً عن أن السعودية عرضت على رأس النظام السوري، بشار الأسد، 4 مليار دولار، لقاء التوقف عن صناعة وتجارة الكبتاغون. وإن كانت المعلومات التي عرضها تقرير الوكالة دقيقة، فهي تؤكد معادلة لطالما تحدث عنها مراقبون ومؤرخون، وهي أن نظام الأسد، منذ عهد الأب، يستخدم الابتزاز، بأدوات مختلفة، لتحقيق أهدافه تجاه محيطه الإقليمي. هذا الابتزاز كان في عهد الأب، باستخدام ما يُعرف بـ "فصائل المقاومة" اللبنانية والفلسطينية، وأُضيف إليه في عهد الابن، الابتزاز باستخدام فصائل جهادية متطرفة عبر اختراقها وتوجيهها مخابراتياً لخدمة مصالح النظام. والآن، يضيف هذا الأخير، المخدرات، إلى قائمة أدوات ابتزازه لمحيطه الإقليمي.
كذلك يؤكد تقرير الوكالة، إن صحت معلوماته، أن السعودية ودولاً عربية، وربما إقليمية أخرى، تخضع بالفعل لاستراتيجية الابتزاز تلك. وهو أمر ليس بالجديد. وقد يكون سرّ ديمومة نظام الأسد، حتى ساعة كتابة هذه السطور.
لكن، في حالة المخدرات، كأداة من أدوات الابتزاز، ربما أصبح ميزان السيطرة غير مستقر في قبضة رأس النظام، بخلاف المرات السابقة. فالابتزاز بأدوات "المقاومة" أو "التطرف"، لا يولّد عوائد مادية، وتنحصر مكاسبه، بالسياسة والأمن. لذا فإن التحكم به، عبر لجمه حين اللزوم، أو إطلاقه حين اللزوم، أمر متاح لرأس هرم النظام. أما الابتزاز بأداة "المخدرات"، أصبح مصدراً لعوائد مهولة، لصالح ميليشيات النظام، ومقرّبين منه، ومن ضمن العائلة الحاكمة ذاتها، شقيقه، وأولاد عمومته. الأمر الذي يطرح تساؤلاً: هل يستطيع الأسد لجم هذه الأداة، حينما يريد؟
يقول خبر الوكالة إن السعودية، عرضت تقديم الـ 4 مليار دولار، كمساعدات إنسانية أو زراعية، بشكل استثمارات ربما. وهذا يعني تحويل مسار أرباح تجارة المخدرات لصالح السوريين، كشعب، بنسبة كبيرة. فيما أرباح تجارة المخدرات الآن، هي لصالح الميليشيات المقرّبة من النظام، وأفراد عائلته. باختصار، السعودية تعرض على الأسد أن يتحول من زعيم مافيا، إلى "قائد دولة". ربما كان الأسد الابن، كذلك إلى حدٍ ما، قبل العام 2011. رغم أنه كان ديكتاتوراً وفاسداً، ولعائلته والمقرّبين منه صولة وجولة على حساب اقتصاد البلاد ومعيشة أبنائها. إلا أن الأمور كانت مضبوطة تحت سقف محدد، لا ينال من مصادر الدخل الوطني للبلاد. أما اليوم، فالخيار بات، بين مشاريع استثمارية خليجية في سوريا، تزيد من دخل البلاد الوطني، لصالح جزء كبير من شعبها، وبين مال ساخن سريع يدخل جيوب المقرّبين من الأسد. أي أن الأسد الابن، تحوّل من "قائد دولة"، إلى زعيم مافيا، بكل معنى الكلمة، منذ أن سمح لتجارة المخدرات أن تخرج عن الحدود التي كانت تقيّدها قبل الـ 2011، وفي عهد الأب.
وفيما تحاول السعودية إغراء الأسد بحضور القمة العربية، بوصفه أحد "قادة" الدول العربية، ليستعيد وضعه كـ "رئيس"، لا كزعيم كارتل مخدرات، يبقى السؤال: هل تنفيذ ذلك في مقدور بشار الأسد، أساساً، حتى لو امتلك الرغبة بذلك؟ ذاك أن ركائز قوته التي يقوم عليها بنيان حكمه -وهي أجهزة القسر العسكرية والأمنية- متورطة إلى أقصى الحدود، بتجارة المخدرات. فهل يستطيع لجمها، حتى مع وجود شقيقه على رأس أكبر قوة عسكرية "نظامية"، متورطة في هذه التجارة!
قد نجد الجواب في تقرير الوكالة ذاتها، التي نقلت عن مصادرها ما دار في اجتماع عمّان مطلع الشهر الجاري، حينما ربط وزير خارجية الأسد بين كبح تجارة الكبتاغون وبين الضغط العربي على الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات. أي أن الأسد طلب مطلباً يعلم أنه صعب التحقيق. فهو على دراية بالموقف الغربي، الأمريكي منه على وجه التحديد، والذي يتجه نحو تشديد العقوبات عليه، خاصة مع دخول قانون مكافحة الكبتاغون الخاص به، حيز التنفيذ، خلال الشهر القادم. وهو يعلم أن السعودية تحاول إقناع واشنطن بجدوى مقاربتها بتقديم الإغراءات للأسد، مقابل إصرار واشنطن على الثمن لقاء ذلك. فطلب الأسد بدوره، ثمناً مقابلاً، وبشكل مسبق. أي أنه صعّب المهمة على السعودية والدول العربية الأخرى المتحمسة للتطبيع معه.
وهكذا، نستطيع أن نعلم وجهة الأمور في قادم الأيام. فعنوانها سيكون: هل يستطيع الأسد لجم تجارة المخدرات التي غرقت بها ركائز حكمه، إلى آخرها؟ إن لم يستطع، فهذا يعني أن رياح "التطبيع" العربي، ستتوقف، بل وستعكس مسارها. وسيعود الأسد إلى وضعه الذي حصر نفسه فيه. زعيم كارتل مخدرات، يفكّر محيطه في سبل الحدّ من شروره. وهنا يصبح خيار محيطه الإقليمي، التفكير جدياً هذه المرة، في سياسة أخرى، غير الخضوع لابتزازه. فسابقاً كان يمكن التفاهم معه بخصوص أدواته من "مقاومة" أو "تطرف". أما الآن، فبات التفاهم معه مستحيلاً، لأنه ذاته، فقدَ السيطرة. الأمر الذي يعني أن الأسد حصر نفسه في وضع قد يكتب الخاتمة لنظامه على المدى المتوسط والبعيد. إذ لن يكون أمام محيطه الإقليمي إلا خيار، اقتلاعه من جذوره. أو قبول حالتهم، كسوق كبير لمخدراته، خاصة في السعودية والإمارات.