رأي

جولة في "سرديات" بثينة شعبان حول "العصر الجديد" - الصيني

الجمعة, 31 مارس - 2023

الطريق- إياد الجعفري 


قبل أيام، لفتني مقال بقلم بثينة شعبان، المستشارة السياسية والإعلامية لرأس النظام، منشور في موقع "الوطن أون لاين" الموالي. توقفت عنده، على غير العادة، رغبة مني في الإطلاع على آخر ما وصلت إليه "السرديات الإعلامية المضللة"، حسب وصف المستشارة. وقد تملكني شعور بالإغراء، في أن أدقق في "الإدعاءات الإعلامية المزيّفة المضخمة للسرد والمفتقرة إلى الجوهر الحقيقي"، حسب تعبير المستشارة أيضاً. وذلك، رغم أنني أعلم، تمام العلم، أن قلّة من الموالين حتى، يستمعون لتلك "السرديات"، ويتأثرون بتلك "الإدعاءات". وقد كانت نتيجة تجربتي تلك على غير ما توقعت، في بدايتها. 

مقال "المستشارة"، المعنون بـ "العصر الجديد"، كانت تعليقاً على زيارة الرئيس الصيني لروسيا، قبل نحو أسبوع، والتي اعتبرتها شعبان، "إعلاناً عالمياً لبداية عصر عالمي جديد"، مركزةً على تصريحات الرئيس الصيني، وأبرزها، قوله لنظيره الروسي إن "تغييراً لم يحدث منذ 100 عام يجري حالياً، ونحن نقود معاً هذا التغيير". 

وفي مقالها هذا، وقعت شعبان، من حيث لا تقصد، في مطبات، تكشف –مع قليل من التدقيق فقط- زيف "السردية المضللة" التي قدّمتها. من ذلك، استشهادها بتصريح وزير الخارجية الصيني في معرض الزيارة لروسيا، والذي قال فيه: "إن التناقض الأساسي في عالم اليوم ليس على الإطلاق ما تسمى بفكرة (الديمقراطية مقابل الاستبداد) التي تضخمها حفنة من البلدان وتبالغ في شأنها..". هذا التصريح يأتي من وزير خارجية زعيم جدّد موقعه في رأس هرم السلطة ببكين، لـ 5 سنوات جديدة، بصورة غير مسبوقة منذ ماو تسي تونغ، بعد أشهر من تجديد ولايته على رأس هرم الحزب الشيوعي الحاكم، واللجنة العسكرية، وهما المنصبين الأهم في سلّم السلطة بالبلاد. وذلك بعد خمس سنوات فقط، من إجراء تعديل دستوري يتيح لـ "شي جين بينغ"، أن يبقى في الرئاسة مدى الحياة، كما ويسمح بإدراج فكره في قانون البلاد. 

وكان من المثير للسخرية، أكثر، استشهاد بثينة شعبان، بتصريح وزير الخارجية الصيني، الذي تحدث عن التزام بلاده، بـ "ديمقراطية أكبر في العلاقات الدولية"، وذلك بعد شهر فقط، من تصويتٍ في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على قرارٍ يطالب روسيا بسحب جميع قواتها فوراً وبشكل كامل ودون أي شروط من أوكرانيا. وجاءت نتيجة التصويت على القرار بتأييد 141 دولة ومعارضة 7 وامتناع 32 عن التصويت. وكانت الصين إحدى الدول الممتنعة عن التصويت. فيما كانت "سوريا"، من الدول التي عارضته، إلى جانب روسيا. فهل هناك تعبير أكثر جلاءً عن الاتجاه الذي تميل إليه كفّة "الديمقراطية" في العلاقات الدولية! 

أما أكثر المطبات انكشافاً، والتي وقعت فيها المستشارة العتيدة، هي حديثها، من زاوية المديح، عن ذاك الواقع المتمثّل بوصفه أهم "نتيجة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا". فالطاقة الرخيصة التي تقدمها روسيا للصين والهند –كنتيجة للعقوبات الغربية – أثّرت إيجاباً على منتجات هذه البلدان وعزّزت من قدرتها على منافسة السلع الأوروبية والأمريكية. فـ روسيا اليوم، حسب وصف المستشارة، تضع "كل مواردها الطبيعية في خدمة التنمية الصينية والهندية من خلال علاقة إستراتيجية معمّقة تؤذن بالفعل بفجر عالم جديد وعصر جديد للبشرية برمتها". وبالفعل، فإن الجانب الأول من عبارة "المستشارة"، دقيق للغاية. فالصين تستغل التورط الروسي في أوكرانيا، وتكسب طاقة رخيصة، على حساب رفاه الشعب الروسي ومستقبل التنمية فيه. وفيما تتحدث المستشارة بكثير من الإجلال لذاك "الزخم" الذي وصلت إليه العلاقة الروسية الصنيية، بوصول التبادل التجاري بين البلدين إلى عتبة الـ 200 مليار دولار، تشير الأرقام، التي لا تكذّب ولا تضلل، إلى أن الصين، هي الرابح الأكبر من هذه التجارة بين البلدين –من خلال الطاقة الرخيصة التي تهدرها روسيا في أوردة الصناعة الصينية انتقاماً من الغرب-. في وقتٍ، تصبح الصين أكثر فأكثر، مصدراً رئيساً لحياة الاقتصاد الروسي، الذي يصبح أكثر تبعية لنظيره الصيني، فيما الأخير لا يهتم بروسيا حقاً، فهي لا تمثّل إلا 3% فقط من حجم التجارة الصينية، وقيمتها تتمثّل في الموارد الطبيعية الرخيصة التي تمنحها للاقتصاد الصيني. 

لقد أصابت المستشارة، من حيث لا تدري ربما، حينما وصّفت حالة الخسارة الروسية، لصالح الصعود الصيني. ونحن نقرّ هنا، بمكاسب الصين المتراكمة من التورط الروسي في أوكرانيا. لكن ذلك التورط لا يخدم "تحالفاً" بين الطرفين، كما تصفه، بل يخدم أكثر، تبعية روسية – اقتصادية وسياسية- تزداد عمقاً، لصالح بكين. 

وقد يكون أكبر "كشف" تورطت فيه المستشارة، هو إشارتها إلى "صمود" كوبا، لأكثر من نصف قرن، متحدية "الإجراءات الأمريكية الظالمة". فذاك البلد الذي حكمه آل كاسترو لنحو 60 عاماً، يتشكى مواطنوه من صعوبة الحياة براتب شهري لا يتجاوز الـ 35 دولاراً أمريكياً، ويتلهفون لزيارة الأمريكيين –الامبرياليين- إلى بلادهم "الشيوعية"، ليؤجرونهم الغرف بغرض السياحة، كمصدر دخلٍ هو الأيسر للأسر الكوبية للنجاة من تدني القدرة الشرائية للمرتبات الحكومية، فيما يأملون نهايةً لكابوس العقوبات الأمريكية – أو الحصار كما يصفونه- والذي دام أكثر من 60 عاماً، بصورة جعلت البلاد ضحية ركود اقتصادي مزمن، وتضخم تجاوز عتبة الـ 70% في العام الفائت، وسط نقص حاد في الأغذية والأدوية، وأزمات الكهرباء.. هذا هو "الصمود" الذي تراهن عليه بثينة شعبان، وتلك هي ضريبته على الكوبيين، والأهم، أن آل كاسترو والقلّة المقرّبة منهم، ما يزالون يمسكون بتلابيب السلطة في هافانا. 

أما أكبر سقطات بثينة شعبان في مقالها، هو تجاهلها لموقع "سوريا الأسد"، من ذاك "العصر الجديد"، الذي كالت له المديح، بوصفه تعبيراً عن الصعود الصيني. ذاك الصعود الذي لم يجد له أي ترجمة في سوريا، رغم الانضمام "الرسمي" لدمشق إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، عام 2022. ورغم ذلك، فإنه من أصل تريليون دولار أمريكي، هو حجم التمويل الصيني لهذه المبادرة، تعهدت بكين بـ 2 مليار دولار أمريكي، لدعم المجمعات الصناعية في سوريا، منذ العام 2017. دون أن يجد هذا التعهد أي ترجمة تنفيذية، حتى ساعة كتابة هذه السطور، رغم العرض "السخي" لرأس النظام، بشار الأسد، للصين، بأن يكون لها أفضلية في الاستثمار بمشاريع إعادة الإعمار بسوريا، إلى جانب روسيا وإيران. هذا "العرض"، يعود إلى خريف العام 2017. لكن القيادة الصينية تعاملت معه، حتى الآن، بفتور، يليق بموقع "سوريا الأسد" في قائمة اهتمامات الدولة المرشحة لإزاحة الولايات المتحدة الأمريكية عن عرش أقوى اقتصاد في العالم. 

وبذلك، أتاحت لي "سرديات" المستشارة "المضللة"، و"إدعاءاتها الزائفة"، جولة ممتعة في فكر أبرز المقرّبين من صانع القرار بدمشق. حيث لا يحتاج الكذب إلى كثيرٍ من الحَبك، كي يكون مقبولاً.