رأي

هل تعيد واشنطن خلط الأوراق في سوريا؟

الجمعة, 20 يناير - 2023

الطريق- إياد الجعفري


منذ لقاء موسكو، الذي جمع وزراء دفاع وقادة استخبارات نظام الأسد وتركيا، برعاية روسيّة، صعد الملف السوري إلى قمة هرم الأولويات لعدد من الأطراف بالمنطقة. وقد نشطت اللقاءات والتحركات، على هذه الخلفية. فتحركت إيران لتوفد وزير خارجيتها، إلى دمشق، ومن ثم إلى أنقرة، ولاحقاً إلى موسكو. فيما أوفدت تلك الأخيرة مبعوثها الخاص بالملف السوري إلى العاصمة الأردنية عمّان، قبل أن يعرّج على دمشق. وقبل ذلك، كانت هناك زيارة مفاجئة لوزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، سبقها تواصل هاتفي بينه وبين وزير الخارجية التركي. وهذا الأخير، في طريقه إلى واشنطن، بعيد استقباله المبعوث الأممي الخاص بالملف السوري، بالتزامن مع لقاء لوزير الخارجية الأردني مع منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، في عمّان. 

وهكذا تعود "السخونة" إلى الملف السوري بعد طولِ برودٍ وإهمال. فماذا عن الموقف الأمريكي من هذه التحركات؟ 

تختلف التقديرات حيال حقيقة موقف إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التي تبدو متريثة، رغم التطورات النوعية التي طرأت على علاقات الفاعلين في الملف السوري. تحديداً، النقلة النوعية التي طرأت على سياق "التطبيع" التركي – الأسدي، مع لقاء موسكو، نهاية العام الفائت، وما يعنيه ذلك من تقدم جديد في نوعية العلاقة بين تركيا وروسيا. بالتزامن، مع ارتفاع وتيرة التعاون الإيراني – الروسي، على الصعيد العسكري، وفي ساحة الحرب بأوكرانيا، بصورة خاصة. 

وفي محاولة تفكيك الموقف الأمريكي حيال الملف السوري، يقدّم تحليل لمركز أبحاث إماراتي، قراءةً لافتة؛ فهو لا يوضح فقط، بصورة مكشوفة، كيف تنظر الإمارات لسياسة أمريكا في الملف السوري.. ، بل يقدّم تصوراً لتطور الموقف الأمريكي حيال سوريا، كنتيجة لتطور حراك اللاعبين الآخرين حيالها. 

وفي تحليل حمل عنوان "ديناميات جديدة بين واشنطن ودمشق: كيف سيؤثر القانون الأمريكي لمحاربة الكبتاجون على سورية والمنطقة؟"، نشره موقع مركز الإمارات للسياسات، ومقرّه أبوظبي، نستطيع تلمس النظرة الإماراتية السلبية للسياسة الأمريكية حيال سوريا، حينما يتحدث التحليل عن أن القانون الأمريكي الجديد لمحاربة "كبتاغون الأسد"، يؤسس "لإشكالية إقليمية جديدة، إذ إنه يدفع نحو إضعاف أي اعتبارات منطقية لإعادة العلاقة مع النظام السوري، رغم أن الكثير من الأطراف الإقليمية تدرك أن تشديد عزلة النظام السوري سيدفعه إلى الانزياح نهائياً لإيران وتركها تتغلغل في سورية إلى أبعد مدى". 

ورغم أن المركز لا يعبّر عن الموقف الرسمي للإمارات، بطبيعة الحال، إلا أنه يقدّم، في العبارات السابقة، وعبارات أخرى لاحقة، أدق توصيف للاستياء الإماراتي من سياسة عزل النظام السوري، التي تعتمدها واشنطن. 

أمّا أكثر ما يعنينا من ذاك التحليل، فكيف يتوقع معدّوه، أن تتفاعل واشنطن حيال تحركات اللاعبين الآخرين في الملف السوري، وهو ما جاء في سياق تحليل تداعيات قانون محاربة "كبتاغون الأسد"، إذ تُسلّط التعقيدات التي عبَرَها القانون الضوء على تحولات السياسة الأمريكية في سوريا، وفق التحليل نفسه. والذي يقول إنه "من الواضح أن إدارة بايدن كانت متحفظة في بداية عملها على تصعيد التوتر مع كل من روسيا وإيران، بسبب رغبتها في التوصل إلى تسويات معينة مع روسيا تبعدها عن الصين، ولرغبتها في إتمام الاتفاق النووي مع إيران. غير أن المعطيات تبدلت، وخاصة بعد انخراط واشنطن بتفاعلات سلبية مع روسيا وإيران وتركيا، وحتى المحيط العربي لسورية، وبدأت تظهر ديناميات جديدة في المنطقة قد تؤثر على التوازنات القائمة فيها، جعلت واشنطن تستشعر مخاطرها على مصالحها، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى ترتيب سياسة جديدة في الملف السوري الذي يشكل في هذه المرحلة محور التفاعلات الإقليمية". 

ويرصد التحليل ما اعتبره مؤشراً على نشاط أمريكي متزايد في الملف السوري "بدأ منذ أيلول/سبتمبر الماضي من خلال تحركات سياسية وعسكرية تمثلت بالآتي: محاولة خلق توازن عربي-كردي في مناطق شرق الفرات، من خلال الضغط على الطرف الكردي لزيادة دور المكون العربي في هياكل الإدارة الذاتية، وفتح قنوات تواصل مع العرب في المنطقة. وثمّة محاولات أمريكية لإيجاد معارضة جديدة من الشخصيات التي تنشط في الولايات المتحدة، تكون بديلاً أو موازياً للمعارضة التي تسيطر عليها تركيا. وإعادة هيكلة فصائل المعارضة الموجودة في منطقة التنف، وربما بهدف تجهيزها لمرحلة تقدّر القوات الأمريكية أنها ستكون مختلفة". 

ووفق التحليل، فإن الهدف الأمريكي من التحركات آنفة الذكر، هو تحويل سوريا إلى أزمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الغارق في أزمة أوكرانيا، "من خلال وضعها على سكة عدم الاستقرار نتيجة الواقع الاقتصادي المنهار"، إلى جانب العمل على "إفشال مخطط روسيا القاضي بتعويم الأسد، إقليمياً وعربياً". وكذلك "إحراج تركيا، التي تستعجل التطبيع مع النظام السوري، وخاصة بعد فشل مهمة جيمس جيفري المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية، في إقناع تركيا بالتراجع عن التطبيع مع النظام السوري". 

لكن أبرز ما يلفت إليه التحليل، أن "روسيا وتركيا وإيران تُسارع في تثبيت نظام إقليمي في سورية والعراق، يُرسِّخ مصالحها، ويعزل واشنطن، وهو ما سيشكل خطراً على الوجود الأمريكي في المنطقة". 

ونتيجة لما سبق، يتوقع التحليل "عودة واشنطن للتنسيق مع فصائل المنطقة الجنوبية"، باعتباره احتمالاً وارداً بدرجة كبيرة. ويخلص إلى أن قانون "مكافحة كبتاغون الأسد" سيكون له تداعيات خطيرة على نظام الأسد، على المستويين الأمني والاقتصادي، إذ قد يتحوّل إلى "ورقة لتكريس الفلتان والفوضى في مناطق جنوب سورية عبر تشغيل فصائل الجنوب، التي تبحث عن داعم، في منظومة محاربة المخدرات، ومن المحتمل أن تعيد واشنطن صياغة وجودها في سورية بذريعة إنفاذ القانون، إذ سيدعم القانون المعسكر الداعي إلى زيادة الانخراط في سورية، وقد بدأت بالفعل القوات الأمريكية بترتيبات في شرق سورية وجنوبها"، حسب وصف معدّي التحليل. 

وكان لافتاً، ما اعتبره التحليل، من أن القانون الأمريكي يمثّل "نجاحاً جزئياً للدبلوماسية الأردنية في تدويل مشكلة الكبتاجون بعد رفض روسيا ونظام الأسد التعاطي الإيجابي مع المطالب الأردنية بإيجاد حل لهذه المشكلة". وهنا نلفت إلى أن التحليل نُشر قبل زيارة مبعوث روسيا الخاص بسوريا، إلى عمّان، قبل أيام، والذي عرّج على دمشق أيضاً. مما يشي بأن موسكو تبحث في سبل تعاطٍ أكثر إيجابية مع المطالب الأردنية بخصوص مشكلة تهريب المخدرات إلى أراضيها. 

ويخلص التحليل إلى أن مدى نجاح الاستراتيجية الأمريكية الجديدة حيال الملف السوري، يتوقف على الموقف التركي، الذي تجاهل قانون "الكبتاغون"، وذهب أبعد في مساره للـ "التطبيع" مع الأسد، برعاية روسية. وإذا استمرت تركيا في هذا الاتجاه، فإن أطرافاً إقليمية ودولية أخرى، سترفض الالتزام بقانون مكافحة "الكبتاغون"، وفق التحليل، الذي يختم بتوقع فشل واشنطن في تنفيذ القانون بالصورة التي تأملها. 

إلى أي حدٍ يمكن الاتفاق مع مقدمات التحليل وخلاصاته؟ يمثّل التحليل، كما أشرنا آنفاً، تعبيراً جلياً عن نظرة الإمارات الراغبة بإعادة تأهيل نظام الأسد، ضمن الإقليم، وخفض التوترات مع إيران، بصورة لا تهدد أمنها، وفي الوقت نفسه وضع قدمٍ مع واشنطن، وأخرى، مع موسكو، كنوعٍ من التحوّط وتجنب الانجرار إلى صراع هذه الأطراف، بصورة تضرّ باستقرارها وتطور نموذجها الاقتصادي، بصورة خاصة. لذلك، فإن خلاصات التحليل قد لا تكون موضوعية بالدرجة الكافية. لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل مقدمات التحليل، وأبرز الملاحظات التي استند إليها، وهي تلك المتعلقة باستشعار واشنطن للخطر حيال تراجع نفوذها الإقليمي، في المنطقة، جراء تصاعد خطوات التقارب الإيراني – التركي – الروسي، وانجذاب أطراف إقليمية أخرى، إليه. وهو ما سيدفع واشنطن إلى اعتماد سياسات مضادة، ستتضح أكثر ما ستتضح، في الملف السوري. ربما نحو خلط الأوراق، مجدداً.