رأي

"حلب تركية".. حينما يصوّب أقطاي على مشروع إعادة اللاجئين السوريين

الثلاثاء, 10 يناير - 2023

الطريق- إياد الجعفري


لا تعبّر تصريحات ياسين أقطاي، بخصوص وضع حلب تحت "وصاية تركية"، عن السلطات الرسمية في أنقرة. فالأكاديمي التركي، هو مستشار سابق للرئيس رجب طيب أردوغان. لكن، رغم ذلك، قد تُعقّد هذه التصريحات المثيرة للجدل، ما يُعتقد أنها مفاوضات جارية في دمشق، بين المخابرات التركية ونظيرتها –الأسدية-. فـ أقطاي، يتمتع بموقعٍ داخل نخبة الحزب الحاكم في أنقرة. وتؤشر تصريحاته إلى عدم اقتناع جانب من تلك النخبة بجدوى انجرار قادة الحزب المُمثَلين في السلطة التنفيذية، وراء مزايدات المعارضة التركية في موضوع إعادة اللاجئين. 

وكان لافتاً إشارة أقطاي إلى دور تركيا في منع وقوع مجازر كبيرة في حلب. وهو يشير إلى ما حدث نهاية العام 2016، حينما استولى النظام بدعم روسي – إيراني على حلب الشرقية. وهي إشارة لا يمكن فهمها من الرجل –وهو أستاذ في علم الاجتماع- إلا بوصفها تصويباً على رهان زملائه في قيادة الحزب على ذات النظام، لإعادة اللاجئين السوريين الفارين منه، إليه. 

تصويب أقطاي وتصريحاته تلك، لا بد أنها ستتيح لمفاوضي بشار الأسد في دمشق، أن يشهروا تشكيكهم بنوايا سلطات أنقرة، حيال المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها، في وجه مفاوضيهم الأتراك. وفيما تلح أولوية الانتخابات على حكومة الرئيس أردوغان، وتجعله بحاجة ملحة لإنجازٍ ما، على صعيد إعادة اللاجئين، لا يجد الأسد فائدة قريبة زمنياً، من التطبيع مع سلطة تتعرّض لأكبر تحدٍ لاستمرارها، بعد بضعة أشهرٍ فقط. إذ تعلم قيادة حزب العدالة والتنمية أن ملف اللاجئين السوريين كان أحد أسباب الفوز الكبير الذي حققته المعارضة في الانتخابات المحلية في العام 2019، بصورة سمحت لها بحكم أكبر المدن التركية، وعلى رأسها، أنقرة وإسطنبول. لذلك انخرطت قيادة الحزب الحاكم في مزايدة مع المعارضة التركية، حول القدرة على إعادة أكبر عدد من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، على أمل جذب أصوات انتخابية من اليمين، تضمن استمرار الحزب في السلطة. 

تلك المزايدة غير الواقعية، تحولت إلى مأزق. ففي حين يتعهد رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، كمال كلجدار أوغلو، بإعادة كل السوريين إلى بلادهم خلال عامين، في حال فوز المعارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، يتحدث حزب العدالة والتنمية عن إعادة ما بين مليون إلى مليون ونصف من نحو 3.5 مليون لاجئ سوري. ومع انخراط الحزب بهذه المزايدة، بات عليه تحقيق إنجاز نوعي ما، يؤكد قدرته على تنفيذ تعهده ذاك. وهنا بدأ المأزق. فصانع القرار التركي أدرك متأخراً أن الشريط الحدودي الذي يسيطر عليه في شمال سوريا، لا يكفي لتنفيذ مشروعه الضخم لإعادة أكثر من مليون سوري. فأخذ يراهن، الآن، على رفع مستوى تنسيقه مع دمشق، بصورة تسمح له بإعادة سوريين إلى مناطق سيطرة النظام. 

وبعيداً عن طبيعة "الإعادة"، التي يغلب عليها البعد القسري، والخطر الأمني الذي يحيق بحياة أولئك الذين تتم إعادتهم، فإن الرهان التركي على دمشق، يصطدم هو الآخر بالواقع. إذ حتى لو تحقق أمرٌ، لم يسبق أن تحقق مع نظام الأسد، وضَمِن الأخير، أمن العائدين، والتزم بذلك.. فإن إعادة أعداد كبيرة من السوريين، يتطلب دعماً اقتصادياً، نظراً لكلفته على الاقتصاد السوري المنهار، في مناطق سيطرة النظام. وأردوغان لن يكون قادراً على تقديم دعمٍ اقتصادي لـ "سوريا الأسد"، فيما شعبه يواجه أزمة معيشية هي الأسوأ منذ بداية حكمه. وهنا يأتي الرهان على الدخول الإماراتي على الخط. لكن تبقى المشكلة في عامل الوقت، إذ لا وقت متاح لحكومة العدالة والتنمية في أنقرة، بانتظار ترجمة صفقة سياسية كبرى، تشترك بها أبوظبي، بصورة اقتصادية نوعية، تقيل النظام السوري من عثرته، على هذا الصعيد. هذا من جانب، أما من جانب آخر، فهناك تحدّي إعادة اللاجئين إلى مناطق سيطرة النظام، بصورة تتضارب مع المواثيق الدولية المتعلقة بحماية اللاجئ، خاصةً، حيال السلطات التي فرّ منها، أساساً. 

فهل أراد أقطاي أن يقول لزملائه في قيادة الحزب: ماذا تفعلون برهانكم على النظام؟ لا نعرف. لكن من المؤكد أن مشروع إعادة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، ذاك الذي طرحته سلطات الحزب في أنقرة، لا يُقنع حتى بعض أبرز النخب، في الحزب ذاته.