الطريق- إياد الجعفري
لفتني أثناء بحثي لإعداد هذا المقال، جملة ختامية لمحلل في إحدى الصحف العربية، علّق على اجتماع موسكو الذي جمع وزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام السوري، ومسؤولي الاستخبارات لدى الأطراف الثلاثة، بجملة مفادها، أنه مع هذا الاجتماع لم تنتهِ عملية شاقة وطويلة لحلحلة الملفات العالقة بين دمشق وأنقرة، بل بدأت للتو. وهذا أفضل توصيف للمرحلة اللاحقة من مسار التواصل بين حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبين النظام السوري، الذي استغرق ارتفاعه فوق المستوى الاستخباراتي إلى المستوى الوزاري، نحو ثلاث سنوات. ومن جانبنا، نضيف للتوصيف آنف الذكر، أن حدوث اختراقات نوعية في الملفات العالقة بين الطرفين، مشكوك به للغاية. وحتى لو التقى أردوغان برئيس النظام السوري، بشار الأسد، بحضور الرئيسي الروسي فلاديمير بوتين، كما هو متوقع، قبل الانتخابات التركية في حزيران/يونيو القادم، فالحصيلة من هذا اللقاء لا تعدو مكسباً دبلوماسياً لـ أردوغان، سيتم صرفه على الصعيد الانتخابي الداخلي. أمَّا على الأرض، فلن تتجاوز انعكاسات لقاء موسكو، فتحاً للطرقات التجارية بين الطرفين، لا أكثر.
لكن، هل من أجل ذلك فقط، أثير كل هذا الضجيج في أنقرة وموسكو؟
دون شك، يتطلع صانعو القرار في العاصمتين، لأكثر من ذلك. فعيَنُ أنقرة على ضوء أخضر روسي لاستخدام الطائرات التركية عبر الأجواء السورية، بشكل دائم وروتيني، في استهداف قيادات ومواقع "قوات سورية الديمقراطية – قسد"، في العمق. ومن المرجح، أن أنقرة حصلت على هذا الضوء الأخضر الروسي، لكنه سيبقى محدود الأثر، إن لم يُرفق بضوء أخضر أمريكي. ومن المستبعد أن تمنح واشنطن الأتراك ذلك الضوء الأخضر، خاصة بعد أن ذهبت أنقرة خطوة أبعد باتجاه التلاقي مع موسكو بخصوص العلاقة مع حليفها في دمشق.
كذلك، من المرجح أن أنقرة تبحث عن اتفاق "رسمي" مع النظام السوري، ينص على توسيع حدود اتفاق أضنة المُبرم عام 1998، والذي كان يتيح للأتراك إمكانية التوغل بحدو 5 كيلومترات، داخل الأراضي السورية، بغية مكافحة "حزب العمال الكردستاني"، في سياق تعاون أمني مع النظام السوري. وتراهن أنقرة على توسيع هذه المسافة لتصل إلى 30 كيلومتراً. وقد تحصل بسهولة على هذا المطلب، مضافاً إليه مشاركة روسية في دوريات حدودية أكثر، وضغوط روسية مضاعفة على "قسد"، للانسحاب من المناطق الحدودية. لكن، يبقى أثر هكذا اتفاق، محدوداً أيضاً، إن لاقى مقاومة أمريكية مضادة. وهو أمر محتمل بشدة، إذ ستنظر واشنطن للتطور الأخير في التفاهمات التركية – الروسية بالشأن السوري، تهديداً مباشراً لنفوذها في "شرق الفرات".
أمَّا من جانب روسيا، فهي تريد انتشال حليفها السوري من انهياره الاقتصادي. لذا فهي تراهن على انضمام أنقرة إلى قافلة مُشرعنِي الأسد الإقليميين، في زيادة الضغوط على القوى الغربية، لتوسيع نطاق مشاريع التعافي المبكّر، وزيادة تمويلها. لكن، مجدداً، يصطدم هذا المسعى بالإرادة الأمريكية، التي تمثلت سلباً ضد النظام السوري، عبر قانون "مكافحة كبتاغون الأسد"، الصادر مؤخراً. ولا نعرف كيف يمكن لتركيا -التي ستتوتر علاقاتها أكثر مع واشنطن، بعد تقاربها المتزايد مع موسكو ودمشق- أن تضغط على القوى الغربية لتمويل النظام اقتصادياً، بحجة توفير بيئة مناسبة لعودة اللاجئين!
وفيما تُطرح الأسئلة الخطأ حول ما يمكن أن يحدث بعد لقاء موسكو الأخير، من قبيل: هل ستتخلى تركيا عن المعارضة السورية؟ تغيب الأسئلة الأكثر تناسباً مع مستوى الحدث، من قبيل: كيف سترد واشنطن على هذا المستوى الجديد من التقارب التركي – الروسي في الملف السوري؟ وهل ستنضم إيران إلى هذا التقارب، أم ستجده تهديداً لمصالحها وقدرتها على فرض المزيد من التنازلات الأمنية والقانونية والاقتصادية، على النظام السوري؟!
هل ستتعرض المعارضة السورية لضغوط تركية في المرحلة المقبلة؟ نعم. لكن محور هذه الضغوط سينحصر في اتجاهين: الأول، اختبار فرص الحوار مع النظام، باتجاه تسوية مستنسخة عن تجربة الجنوب السوري. وهذا الاختبار سيأخذ مدىً زمنياً بعيد الأجل، وسيمر بمنعطفات قد لا يستطيع تجاوزها. إذ لا النظام، يرغب بذلك فعلاً، ولا سكان شمال غرب سوريا، وقواهم المسلحة، ترغب بذلك. الاتجاه الثاني، سيكون الضغط باتجاه فتح الطرقات التجارية المارة عبر مناطق سيطرة المعارضة، وهو أمر تم تحضير الشارع المعارض له، وقد يكون النتيجة المباشرة الوحيدة على الأرض، التي سنراها بعيد لقاء موسكو.