رأي

واشنطن.. كفّة القائلين بالبقاء في سوريا ترجح

السبت, 12 نوفمبر - 2022

الطريق- إياد الجعفري


لا يحمل مضمون استراتيجية "البنتاغون" الأمريكية في سوريا، على المدى البعيد، أخباراً جيدة لنظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين. فواشنطن باقية في سوريا، ربما لعقدٍ آخر من الزمان، تحت عنوان محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" – (داعش)، وذلك حسب ما كشفت عنه صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، قبل يومين. 

وهكذا، فإن تصعيد هجمات الميليشيات الإيرانية ضد القواعد الأمريكية، في "شرق الفرات"، إلى جانب تصاعد العدائية العسكرية الروسية حيال القوات الأمريكية في سوريا، خلال الأشهر الأخيرة، لم يُفلحا في ترجيح كفّة المنادين بالانسحاب من سوريا، داخل أروقة اتخاذ القرار بواشنطن. فإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لا ترى في تواجد قوات بلادها المباشر في سوريا، تورطاً في "حرب لا نهاية لها"، على غرار التورط الأمريكي في أفغانستان. فالاحتفاظ بـ 900 عسكري أمريكي، لم يُقتل منهم أحد على مدار السنوات الأربع الأخيرة، يشكّل تكلفة منخفضة مقابل المكاسب المتأتية من هذا التواجد المباشر. وهذه القراءة ليست خاصة بإدارة بايدن، بل تتفق معها رموز كبيرة في الحزب الجمهوري، ما يعني أن هذا المسار لن يتغير على الأرجح، في حال قدوم إدارة جمهورية إلى الحكم بواشنطن بعد سنتين. ناهيك عن أنه توجه استراتيجي لصنّاع القرار العسكري داخل "البنتاغون". وكلنا نذكر كيف أن مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية ضغطوا على الرئيس السابق، دونالد ترامب، كي يتراجع عن قراره الانسحاب من سوريا في نهاية العام 2018. وقد قدّم وزير الدفاع حينها، جيم ماتيس، استقالته، احتجاجاً على قرار ترامب. ورغم أن الأخير كرر نيته الانسحاب من سوريا عام 2019، إلا أنه تراجع عن انسحاب سريع، وتحدث عن عملية بطيئة. وانتهى الأمر بتخفيض تعداد الجنود الأمريكيين المتواجدين على الأرض، من نحو 2000 إلى حوالي 900 جندي. 

وهنا تجب الإشارة إلى أن رغبة ترامب بالانسحاب من سوريا، لم تكن تعبيراً عن نزعة فردية للرجل، بل هي تعبير عن تيارين داخل أروقة النخبة الأمريكية بواشنطن، حيال هذا الشأن. ويعكس مقالان نشرتهما مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، وجهة نظر كل تيار. 

وكان لافتاً أن المقالين كتبهما رجلان عملا في إدارة ترامب الجمهورية، واختصا بالشأن السوري. المقال الأول، نشرته المجلة قبل نحو شهر، بقلم كريستوفر الخوري، والذي عمل كمستشار في السياسات عن العراق وسوريا في مكتب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" ما بين 2017- 2019. ويعتبر الخوري أن الوجود الأمريكي في سوريا، "نقطة ضعف"، مستشهداً بتصاعد التهديدات الإيرانية للمواقع الأمريكية، وبازدياد الاحتكاكات الخطرة مع الجيش الروسي. ويدعو الخوري إلى انسحاب أمريكي من سوريا يستند إلى تسوية تفاوضية مع روسيا، تضمن عدم تنكيل نظام الأسد بحلفاء واشنطن في "قوات سورية الديمقراطية – قسد". لكن الخوري لا يوضح كيف يمكن تحقيق هكذا تسوية، ويتجاهل الحصيلة النهائية لتسوية مشابهة عقدها ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في درعا. فالنظام ينكّل اليوم بفصائل المعارضة هناك، وينشط الإيرانيون على مقربة من الحدود الأردنية والإسرائيلية. فيما يبهَت الدور الروسي بصورة أكبر. 

المجلة الأمريكية ذاتها، نشرت قبل يومين، مقالاً لـ جيمس جيفري، المنسق الخاص للملف السوري وممثل واشنطن في التحالف الدولي ضد "داعش"، بين عامي 2018 و2020، في عهد ترامب، أيضاً. ويردّ جيفري على مقال "الخوري"، ويفند أبرز إدعاءاته، مؤكداً أن استراتيجية واشنطن للبقاء في سوريا، بتكلفة نسبية منخفضة، تمثّل "نجاحاً". محذّراً من التخلي عن "انتصارات استراتيجية"، بصورة غير ضرورية، في عصر المنافسة الجيوستراتيجية المتزايدة مع روسيا وإيران. 

ووفق ما نشرته صحيفة "بوليتيكو" عن مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية، يبدو جلياً أن كفّة رأي التيار الذي يمثله "جيفري"، رجحت على كفّة رأي التيار الذي يمثّله "الخوري"، داخل أروقة صنع القرار بواشنطن. فالولايات المتحدة باقية في سوريا إلى أمد بعيد. وهكذا، لا نفط سيعود قريباً إلى قبضة الأسد، ولا مكاسب نوعية جديدة لروسيا في الجغرافية السورية. فيما المناوشات والهجمات المتبادلة مع الميليشيات الإيرانية ستستمر، أو ربما تتصاعد أكثر. فواشنطن لن تتخلى عن النافذة السورية للتصويب على المشروع الإيراني الخاص بالوصول برّاً إلى المتوسط، بصورة مستدامة.