رأي

الشمال السوري صراع مصالح أم حرب إرادات؟

الخميس, 20 أكتوبر - 2022

الطريق -فراس علاوي


توتر واشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة، وتبادل السيطرة، ونزوح مدنيين وقطع طرقات، ومظاهرات رافضة، وانقسام فصائلي واقتتال داخلي.

مشهد بات يعرفه كثير من سكان الشمال السوري، منذ أن تحول إلى ملاذ أخير للمدنيين والفصائل، لكنه هذه المرة كان مختلفاً، ويعود هذا الاختلاف لعاملين أساسيين:

الأول يتعلق بأطراف الصراع الذي انقسم إلى هيئة تحرير الشام وحلفائها في فصيلي سليمان شاه والحمزات من جهة، وفصائل من جهة أخرى أبرزها الفيلق الثالث.

والثاني يتعلق بجغرافية مناطق الاقتتال وتبادل السيطرة وهي مناطق درع الفرات وغصن الزيتون.

التقدم السريع للهيئة وسيطرتها على عفرين فرض واقعاً جديداً يقول إنّ الفصائل غير قادرة على حماية نفسها من جهة وإنها تعاني انقساماً واضحاً على المستوى الأيديولوجي وعلى الأرض وصراعات داخلية أدت لانقسامها، كذلك دل على أن الفصائل لاتملك حاضنة شعبية حقيقية ومتماسكة تدافع عنها، الأمر الذي وضع الحاضنة بين خيارين؛ إما القبول بسيطرة هيئة تحرير الشام وهو ماترفضه الكثير من القوى المجتمعية، أو القبول ببقاء الفصائل على الرغم من حالة الترهل والفساد الذي تعانيه والذي تدركه الحاضنة الشعبية، مما يجعل خياراتها محدودة بين سيِّئ وأسوأ. 

بالعودة لأسباب الصراع، فإن لكل طرف أسبابه وحساباته، فهيئة تحرير الشام تريد التوسع في مناطق جديدة لفرض نفسها لاعباً مهماً في المنطقة لايمكن تجاوزه وبحوزته أوراق كثيرة منها المعابر والقوة العسكرية، لذلك كان توسعها في مناطق النفوذ التركي مقصوداً والغرض منه التعامل بشكل مباشر مع تركيا، التي تصنف الهيئة على لوائح الإرهاب، ومع ذلك قبلت بتوسعها في مناطق معينة تخضع لسيطرتها بشكل مباشر، على الرغم من إدراك الهيئة بأن هناك خطوطاً لايمكن تجاوزها. 

أمَّا الفصائل، فهي تدافع عن مكتسبات تدعي أحقيتها لها بالرغم من إدراك قادتها حجم الغضب الشعبي من الفساد الموجود فيها، والذي قد يتحول في وقت ما إلى انفجار شعبي يشابه ماحصل في ٢٠١١.

هذا الصراع والذي كان يجري على مرأى ومسمع من الأتراك كان يحظى برضى تركي واضح، وإن كان هناك كما ذكرنا خطوط حمراء لايمكن تجاوزها،

فتركيا ترغب بجعل الهيئة وقائدها الجولاني ورقة رابحة بيدها خلال الفترة القادمة، لذلك قبلت بتعويمه مجدداً وذلك من أجل الضغط على روسيا من جهة ووضع الهيئة على خط الصدام المباشر مع قسد من جهة ثانية، خاصة أن الهيئة وقسد تختلفان أيديولوجياً وقد شهدت الأعوام السابقة صراعاً دموياً بينهما في عامَي ٢٠١٣ و٢٠١٤، هذا الوجود سيرفع العبء عن تركيا ويجعل الهيئة في مواجهة مباشرة مع قسد ومن خلفها الولايات المتحدة، وهذا يشكل تغييراً في استراتيجيات التعامل قد تستلزم تدخلاً أمريكياً على خط التفاهمات التي شهدت تراجعاً واضحاً مؤخراً. 

الاتفاق الذي يجري الحديث عنه يحمل بصمات تركية، والتي تعمل على تهيئة الشمال لتحقيق إعادة اللاجئين إليها، وبالتالي هي بحاجة لفصيل قوي يستطيع حفظ الأمن وفرضه ولديه إدارة مركزية واضحة وإدارة اقتصادية، وهذا مايمكن أن يفضي للخروج بحكومة واحدة تمثل جميع الأطراف، مهمتها إدارة المنطقة والتي ستتحول إلى كانتون مغلق بانتظار تبعات الحل السياسي. 

بالمحصلة فإن هذا الصراع يجعل الشمال على صفيح ساخن قابل للانفجار في أي لحظة، سواء من قبل الحاضنة الشعبية أو بين الفصائل ذاتها.

وربما يقلق هذا الأمر الحكومة التركية، لذلك فإننا قد نشهد ضغطاً تركياً متصاعداً لتغيير قواعد اللعبة في الشمال السوري وتقاسم أدوار السيطرة والإدارة وتقاسم نفوذ وتقديم تنازلات من جميع الأطراف، وهذا ما أدركته الهيئة مبكراً بعدم التصعيد بعد التحرك التركي، وبالتالي نستطيع القول إن الأوراق التي تملكها الهيئة أكثر تنظيماً، ولكنها تفتقد للحواضن الشعبية، الأمر الذي يجعل من وجودها في بعض المناطق مضطرباً، وربما هو أحد أسباب تحالف الهيئة مع فصيلين كانا حتى الأمس القريب على عداء معها.

لايزال الوقت مبكراً للحكم على نجاح ما آلت إليه الأمور من اختلال السيطرة وإعادة التموضع الجغرافي والفصائلي، لكنه بالوقت ذاته يوحي بتغير واضح في خارطة الشمال السوري والتي قد تشهد لاحقاً تصعيداً ضد قسد في مناطق نفوذ الهيئة الجديدة.