رأي

هل يعود العرب إلى الساحة السورية؟

الأحد, 2 أكتوبر - 2022

الطريق- فراس علاوي


منذ أيام، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مقابلة له مع صحيفة "ناشيونال" الإماراتية، أن بلاده تحشد من أجل "دعم دولي وإقليمي لعملية سياسية يقودها العرب"، لإنهاء "الحرب" المستمرة منذ 11 عاماً في سوريا.

يبدو تصريح الوزير الأردني كأنه إطلاق لمبادرة عربية جديدة تتعلق بالحل في سوريا، مع إشارته لعدد من الدول العربية كالعراق ومصر والجزائر والأردن، وإشارة خاصة للسعودية، دون الإفصاح عن خطوات فعلية أو خارطة طريق مرتبطة بها وإن كانت تعتمد كما أشار الوزير الأردني على مخرجات قرار مجلس الأمن 225‪4 ، 

فهل هي عودة عربية للساحة السورية؟

بداية، هذه ليست المبادرة الأولى التي تطلقها الأردن، فقد تحدث العاهل الأردني سابقاً عن محاولة استعادة النظام من الحضن الإيراني، وبدعم إماراتي وجزائري، 

لكن هذه المبادرة لم تشهد الاهتمام العربي بها، وواجهت رفضاً من قبل الدول العربية المؤثرة كالسعودية ومصر وقطر. 

تقوم المبادرات السابقة على فرضية أن النظام باقٍ لكنه تحت سيطرة إيران، وأن التوسع الإيراني يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي لهذه الدول، وبالتالي من أجل منع هذا التهديد أو إيقافه يجب استعادة النظام السوري الذي يشكل حالياً أحد أذرع إيران في المنطقة، إذ تستخدم إيران الجغرافيا السورية لتهديد دول الإقليم. 

لذلك تقدم الأردن، المتضرر الأكبر، والذي يقع ضمن دائرة الخطر، بمبادرته لمحاولة جعل النظام السوري خط الدفاع الأول عن الداخل الأردني. 

الرهان العربي/الأردني فشل في مسعاه في عملية الفصل بين النظامين المتشابكين. 

إن القصور الذي بدا واضحاً في المبادرة الأولى يشبه محاولة إجراء عملية لتوءَم سيامي متلاصق في أكثر مناطق الجسم خطراً. 

النظامان الإيراني-السوري هما كلٌّ واحد، وإن كان الرأس في طهران فإنّ محاولة فصل توءمِه في دمشق سيودي بحياة النظامين، لذلك فإن الرهان على فصلهما بصورة طبيعية هو رهان خاسر، وربما أدرك أصحاب المبادرة الجديدة ذلك، فأعلنوا أنها تعتمد على قرارات مجلس الأمن الخلافية أساساً ما بين الروس والأمريكان، والتي تخضع لأكثر من تفسير بما فيه تفسيرات النظام السوري نفسه. 

لم يعد الخوف من إيران هو الدافع الوحيد للحراك الأردني ومن خلفه العربي، بل بدأت خطورة تجارة وتسويق المخدرات والتي أصبحت سوريا المركز الأساسي لها في المنطقة، وتشكل خطراً اقتصادياً واجتماعياً يضرب عمق المجتمعات المحيطة ووصل تردده إلى العواصم الخليجية. 

إذاً ما هي أسباب إطلاق مبادرة جديدة، ولم يمض على فشل سابقتها سوى أسابيع؟ 

لعل التوقيت هو أبرز سمات هذه المبادرة،

فهي تأتي في فترة يخوض فيها العالم صراعاً متصاعداً في أوكرانيا وتعمل فيه أطراف الصراع على إيجاد حلفاء ومؤيدين لها. 

كذلك فإن تصاعد أزمة الطاقة واحتياج أوربا لمصادر جديدة يجعل من القدرة على المناورة السياسية أكثر شمولاً واتساعاً. 

توقيت المبادرة - بعد اجتماع ما يسمى بالمجموعة المصغرة التي ضمت إلى جانب الولايات المتحدة ودول أوربية، دول الجوار السوري ومصر والسعودية، وقبيل انعقاد القمة العربية التي شهدت تجاذبات كبيرة بسبب ملف عودة النظام للجامعة العربية، وفي ظل تعطل اجتماعات اللجنة الدستورية ومسار آستانا، والتصريحات الأمريكية حول دور النظام السوري في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات في المنطقة - يشي بأن المبادرة العربية تأخذ شكلاً تفاوضياً بين الأطراف العربية قد تنتج عنها مبادرة مشروطة، لكنها في الوقت ذاته لها سقف منخفض، ما يجعلها مقبولة من جميع الأطراف. 

مع استشعار دول الإقليم والمحيط السوري لخطر التوسع الإيراني وتهديد أمنها القومي، قد تلجأ إلى التمديد لقبول بقاء بشار الأسد في السلطة حتى نهاية ولايته الحالية، ومن ثَمَّ تطبيق تراتبي للقرار ٢٢٥٤ 

حتى الوصول لانتخابات تشريعية ورئاسية. 

جوهر المبادرة هو التوافق العربي والخروج من معضلة مصير شخص بشار الأسد، وهو قد يكون شرطاً لقبولها من قبل تركيا التي شهدت الفترة الأخيرة تغيراً في لهجتها تجاه النظام، ومن روسيا المأزومة في أوكرانيا، وقبولاً أوربياً في ظل احتمالية الابتعاد الأوربي عن مشاكل المنطقة والخوف من صعود اليمين المتطرف فيها والمشاكل التي تعاني منها اقتصادياتها، وبالتالي يبدو الطريق ممهداً لمبادرة توافقية بين الأطراف المتداخلة بالشأن السوري، باستثناء إيران التي يعتمد موقفها على نجاحها في الملف النووي ومفاوضات فيينا وكيفية إدارة هذا الملف. 

اعتماد المبادرة شكلاً على القرار ٢٢٥٤ يوحي بقبول أمريكي ربما يصل حد الدعم لها وبالتالي زيادة فرصها بالنجاح. 

الصعوبات الأكثر ترجيحاً بأن تكون حجر عثرة في طريق المبادرة تتمثل في قبول النظام ومن خلفه إيران بالشروط التي ستقوم عليها المبادرة وإجراءات بناء الثقة وإطلاق عملية سياسية طويلة الأمد وإصلاحية من داخل النظام نفسه بمشاركة جزء من المعارضة. 

تبدو القمة العربية فرصة سانحة لتبني المبادرة وبالتالي الدفع بها للواجهة، وفي حال تم التوافق عليها فإنها تعيدنا لمبادرة الجامعة العربية التي أفشلها النظام منتصف العام ٢٠١١ مع بداية انطلاق الثورة السورية، وبالتالي العودة للمربع الأول، وهو مايبتعد عن مطالب الشارع السوري. بالمقابل، سيكون للعامل الاقتصادي والمحفزات التي قد تترافق مع الشروط دورٌ في دعم حظوظ المبادرة في حال تبنيها عربياً وتسويقها إقليمياً ودولياً.