رأي

مناورات "جيش النظام".. ما بين تشايكو وماهر الأسد

الجمعة, 7 أكتوبر - 2022

الطريق- إياد الجعفري


على صعيد مصالح الأشخاص، تبدو المناورات العسكرية الأخيرة التي أجراها "جيش النظام" برعاية روسية، شأناً خاصاً لكل من ألكسندر تشايكو، قائد القوات الروسية في سوريا، وماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة؛ إذ يمرّ الرجلان في منعطفٍ نوعيّ في حياتهما المهنية، لذلك فإن كل تفصيلٍ سُرّب على هامش تلك المناورات أو خلالها، يعني على الأغلب أمراً ما، لكلٍ منهما. 

فـ تشايكو، العائد من أوكرانيا منذ فترة وجيزة، يكثّف نشاطاته وكأنه يريد إثبات نفسه. فالجنرال الروسي الذي سبق أن قاد قوات بلاده في سوريا، انتُدب إلى حرب أوكرانيا لفترة وجيزة، قبل أن يُعاد إلى سوريا مجدداً، ولم يتضح سبب إعادته. لكن آراءً لخبراء روس رجحت أنها نتيجة إخفاقاتٍ له في أوكرانيا. 

ومنذ عودة تشايكو إلى سوريا، كثّف الرجل نشاطه على ثلاثة محاور؛ المحور الأول يرتبط بزيادة المناورات العسكرية التدريبية الخاصة بـ "الجيش السوري". وهو ما يُفهم بأنه محاولة لتعزيز الجاهزية القتالية لهذا "الجيش". لكن هناك غاية سياسية أكثر أهمية. وهو ما ينقلنا للمحور الثاني الذي عمل عليه تشايكو، إذ كثّف مساعيه لجذب ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية – قسد"، منذ حزيران/يونيو الفائت، بالتزامن مع التهديدات التركية بعمل عسكري ضد الميليشيا. وقد أثمرت جهود الجنرال الروسي عن إجراء أول مناورات عسكرية مشتركة بين قوات الأسد وقوات "قسد"، في مطلع آب/أغسطس الفائت. بينما المناورات الأخيرة التي جرت قبل أيام، كانت على مقربة من قاعدة التنف الأمريكية، وعلى مقربة من الحدود الأردنية، وهي الأولى التي تضم "الفرقة 25 – قوات خاصة"، المقرّبة من روسيا، والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، المقرّبة من إيران. وهنا تبدو الرسالة جليّة وهي موجّهة للأمريكيين والأردنيين والإسرائيليين، وبقية الأطراف المعنية. ومفادها، أن روسيا وإيران تتقاربان أكثر في سوريا، وتقلّصان هوامش الخلافات بينهما. هذا ما تريد موسكو الإيحاء به، وهو ما يوافق الهوى الإيراني، بدليل حضور شقيق الأسد، المقرّب لطهران، في تلك المناورات، وإبرازه للعلن، بخلاف المُعتاد عن ميله للتخفي عن عدسات الإعلام، على مدار العقد المنصرم. وقد يسمح لنا ذلك، بالانتقال إلى المحور الثالث، الذي عمل عليه تشايكو منذ عودته إلى سوريا. فالرجل دفع قوات بلاده إلى سلوكٍ أكثر عدوانية حيال القوات الأمريكية العاملة هناك. وهو ما تحدث عنه صراحةً، رئيس القيادة المركزية في الجيش الأمريكي، الجنرال مايكل إريك كوريلا، في تموز/يوليو الفائت، والذي أشار إلى عودة تشايكو إلى الشرق الأوسط بعد فترة توقَفَ فيها عن قيادة القوات الروسية في أوكرانيا، وأضاف: "لا نعرف إن كان رجلاً متفلتاً يحاول إعادة تأسيس وفرض نفسه". 

لكن ماذا عن ماهر الأسد؟ لا نستطيع أن نجزم إن كان ظهور ماهر في المناورات الأخيرة، كان برغبة منه، أم بضغط من شقيقه أو من الإيرانيين، بغية إظهار حالة الانسجام بين أطراف "التحالف الروسي – الإيراني – الأسدي"، في سوريا. لكن ما يمكن الجزم به، أن التسريبات التي رافقت أو سبقت شيوع خبر المناورات، كانت مقصودة من طرفين متناقِضَي المصالح. فالصورة الأولى للقادة الذين حضروا المناورات التي دامت عدة أيام، تُظهر ماهر الأسد إلى جوار تشايكو مباشرةً. وقد سبق تسريب هذه الصورة، تسريب صور أخرى لـ ماهر الأسد برفقة قادة عسكريين وجنود، يرحبون به. كما وسبق ذلك، تسريبات مرتبطة بالتحاق ابن شقيقته، باسل آصف شوكت، برتبة ملازم أول، بمكتب الأمن التابع للفرقة الرابعة. وكان قد سبق ذلك أيضاً، تسريبات ترتبط بدورٍ مُستجَدٍ لـ ماهر الأسد في إدارة ملف محافظة السويداء، بالتنسيق مع حسام لوقا، مدير المخابرات العامة. وكما هو معلوم، يرتبط ملف السويداء، بملفَي تهريب المخدرات، والعلاقة مع الأردن، التي أكد مَلِكُها قبل أيام وجود مبادرة جديدة لبلاده، تقودها دول عربية، وتهدف لإيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا. 

تؤشر مجموعة هذه التسريبات إلى رغبة ماهر الأسد بتعزيز دوره، وهذه المرة بصورة علَنية، في إدارة الملفات الأكثر حساسية، بالساحة السورية. محاولته هذه، واجهتها محاولة مضادة، تكشفها الصور والتسجيل المسرّب لاحقاً –والذي يبدو أنه التُقط في يوم تالٍ للصورة الأولى- إذ يظهر ماهر الأسد في منصّة القادة، بعيداً عن تشايكو هذه المرة، ومهمّشاً، حسب وصف وسائل إعلام. ناهيك عن عدم الإشارة إليه في بيان وزارة الدفاع التابعة للنظام بخصوص المناورات. وهكذا يبدو أن المجموعة الثانية من الصور، استهدفت التقليل من شأن ماهر، وقد تكون بدفعٍ من شقيقه، أو من الروس أنفسهم، الذين يعلمون أن قائد الفرقة الرابعة، هو بيضة قبان النفوذ الإيراني داخل النخبة الحاكمة، وداخل الحاضنة الموالية للنظام. 

وفي الختام، تبدو محاولات تشايكو لإثبات جدارته أمام الكرملين، أمراً محدود الأهمية في الملف السوري، نظراً للسقوف المحددة له، والتي أبرزها عدم توريط روسيا في صدام مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا. أمَّا بالنسبة لـ ماهر الأسد، فالأمر مختلف؛ إذ تأتي محاولاته لتعزيز دوره السياسي، وإظهاره للعلن، تحولاً نوعياً في المشهد السوري، قد يكون تهيئة لتطورات مستقبلية، متوسطة وبعيدة المدى، تتعلق تحديداً بخلافة بشار الأسد، في كرسي الحكم، والصراع المرتقب عليه، والذي ستبدأ مقدماته بالظهور في غضون بضع سنوات، فقط.