رأي

كيف سيلجم "مركزي" النظام السوري انهيار الليرة؟

الاثنين, 26 سبتمبر - 2022

الطريق- إياد الجعفري


خلال تعاملات أسواق الصرف، يوم الأحد، سجلت الليرة السورية أدنى سعرٍ لها مقابل الدولار، في دمشق، منذ سنة ونصف. وقاد "دولار إدلب" تحركات أسعار الصرف في عموم البلاد، ليسجل عتبات غير مسبوقة، متجاوزاً حاجز الـ 4700 ليرة. 

تشكل هذه التطورات إجابةً عن التساؤلات التي طُرحت بخصوص أسباب الصعود الفجائي، الذي تلاه انهيار فجائي للدولار، في المنطقة الشرقية وإدلب، قبل نحو أسبوع. حينها، انهار الدولار من 4700 إلى 4500 ليرة، خلال ساعات. الإجابة جاءت في الأيام التالية، إذ عادت أسعار الصرف لتحلّق، وقادت أسواق الصرف في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، نظيراتها في المناطق الخاضعة لسيطرته، وبدأ "دولار دمشق" يلهث ليلحق بنظيره في إدلب. وهكذا يبدو أن محاولة المصرف المركزي بدمشق، للتدخل في أسواق صرف المنطقة الشرقية، عبر تجار وسماسرة مرتبطين به، قد باءت بالفشل. 

ما يدعم نظرية أن الأمور بدأت تخرج عن سيطرة المركزي، هو حالة الفلتان في الأسواق، وارتفاع أسعار سلعٍ غير مرتبطة بقراره الصادر، يوم الإثنين الفائت، برفع سعر صرف الدولار. بل إن القرار ذاته يدعم هذه النظرية؛ إذ بعد نحو شهرٍ من تعهده باتخاذ "الإجراءات اللازمة لوضع حدٍ للمضاربين والمتلاعبين بسعر الصرف"، ها هو يصدر قراراً يقرّ فيه بتراجع قيمة الليرة السورية، ويخفض قيمتها، بنفس فارق السوق السوداء، خلال شهر. فالليرة وفق نشرة "المصارف" الجديدة، انخفضت من 2814 إلى 3015 مقابل الدولار. وخلال شهر، منذ تعهد المركزي المشار إليه، انخفضت الليرة في السوق السوداء بدمشق، من 4400 إلى 4650 مقابل الدولار. أي بالفارق نفسه تقريباً، بين 200 و250 ليرة. 

قرار المركزي بتخفيض قيمة الليرة يعكس ضيق الهوامش التي بات يتحرك ضمنها. فقبل نحو شهر، أصدر قراراً يؤكد أنه يعاني صعوبة في توفير القطع الأجنبي لتمويل الاستيراد. إذ جعل تمويل "القمح والأدوية ومستلزماتها وحليب الرضع"، فقط، بسعر "التمويل المخفّض" الخاص بالمصارف. كان هذا السعر في تاريخ صدور القرار، 2814 ليرة لكل دولار. لكن المركزي رفع قيمة هذا "الدولار" إلى 3015 ليرة، كما أوضحنا. أي أنه خفّف عن عاتقه 7% من تكاليف تمويل المواد الثلاث الأكثر أولوية. فيما ترك تمويل بقية المستوردات، من مواد غذائية ومستلزمات صناعية، بسعرٍ متقلّبٍ تحدده شركات الصرافة للمستورد، يقلّ قليلاً عن سعر السوق السوداء. وبذلك، يكون المركزي قد خفّف عن كاهله جانباً من عبء الدعم الاجتماعي. وهو ما ترجمته الأسواق سريعاً، بعد يومين فقط من قرار تخفيض سعر صرف الليرة. إذ ارتفعت الأسعار ما بين 300 إلى 500 ليرة، لمعظم السلع، خاصة الغذائية منها، كالألبان والأجبان والغذائيات المُعلّبة، وذلك بإقرار وسائل إعلام موالية. وهي نتيجة طبيعية للقرار، الذي سينعكس ارتفاعاً في تكاليف التخليص الجمركي للمستوردين، الذين نقلوا بدورهم التكلفة الجديدة المُضافة إلى عاتق المستهلك، بصورة آنيّة. 

ويبقى السؤال رهن تطورات الأيام القليلة القادمة؛ إلى أي مدى سيذهب فلتان أسعار الصرف بعيداً عن تدخلات المركزي؟ إذ دون هذه التدخلات، ستهوي الليرة السورية إلى عتباتٍ جديدة غير مسبوقة. ذاك أن سعر صرفها الحقيقي يظهر في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والذي تجاوز الـ 4700 مقابل الدولار. فهل سيتمكن المركزي من لجم موجة الانهيار هذه المرة؟ مساعيه خلال الفترة الماضية لتقييد الاستيراد، وتخليه عن المزيد من مسؤولياته حيال تمويله، تنبِئ بعدم وجود احتياطي من القطع الأجنبي لديه يمكّنه من التأثير بأسواق الصرف، ما يعني أنه سيزيد من جرعة استخدام الأدوات الأمنية، مما سينعكس ندرةً في الدولار المتاح للمستوردين، ووهميّةً في سعر الصرف الرائج حتى في السوق السوداء، بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام. هذه المعادلة ستنعكس قفزاتٍ جديدة في أسعار السلع؛ لأنّ المستوردين المتبقين في السوق سيضطرون إلى اللجوء لقنوات جلب القطع الأجنبي من خارج مناطق سيطرة النظام، بكُلفٍ أعلى من السعر المُعلن لـ "دولار دمشق" في السوق السوداء بالعاصمة. مما سيؤدي، بدوره، للمزيد من القفزات في سعر صرف الدولار في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وتدريجياً، سيضطر المتعاملون بأسواق الصرف (السوق السوداء) في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، للحاق بالأسعار الرائجة في المناطق الأخرى. أي أننا قد نكون بانتظار متوالية من الانهيار في سعر صرف الليرة، لن يلجمها، إلا أحد أمرين، إما أن ينجح المركزي في التدخل بأسواق الصرف في المناطق الخارجة عن سيطرته "الأمنية"، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، والمؤشرات توحي بأنه عاجز عن ذلك، أو أن يُقدِم المركزي على إجراء تاريخي شجاع، ويقوم بتوحيد أسعار الصرف "الرسمية"، لتكون قريبة من سعر السوق السوداء، ليضع نهاية للعبة "القط والفأر"، غير المجدية، بينه وبين المضاربين والمتعاملين في أسواق العملة بالبلاد.