رأي

أيُّ "أسدٍ" قد يلتقيه أردوغان؟

الثلاثاء, 20 سبتمبر - 2022

الطريق- إياد الجعفري 


يبدو لفئة من المراقبين، أن نظام الأسد يسجل نقاطاً جديدة لصالحه، بدعمٍ من حليفيه الروسي والإيراني. فها هي تركيا تذهب أبعد في تقبّلها لإمكانية "التطبيع" معه، نظرياً على الأقل. فيما تعزّز حركة "حماس" سعيها لاستعادة العلاقة معه. لكن، هل نظام الأسد مستفيد فعلاً من هذه "الاندفاعة" نحوه؟ 

في نهاية الأسبوع المنصرم، ضجّت وسائل الإعلام بالجدل جراء تصريح للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أوحى باستعداده للقاء رأس النظام، بشار الأسد. وبعيداً عن محتوى التصريح المفصّل، الذي يؤشر إلى أن الخلاف الكبير في وجهات النظر بين الرجلين، ما يزال قائماً وبقوة، تلقفت موسكو التصريح، ورحبت به، وقرأته بأنه مؤشر على استعداد تركي للارتقاء بمسار الاتصالات بين تركيا والنظام، إلى المستوى الدبلوماسي، بعد سنوات من الحوار الاستخباراتي. ولن تكون مفاجأة بالفعل أن نشهد في فترة قريبة، لقاءً بين وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، ونظيره في نظام الأسد، فيصل مقداد، في موسكو، على الأغلب. لكن ماذا بعد؟ لنذكّر بأن اللقاء الأول المُعلن، بين رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، ونظيره في نظام الأسد، علي مملوك، قد حدث عام 2020. ومنذ ذلك الحين، لم نشهد تغيرات نوعية في علاقة الطرفين. فالحوار قائم، لكن تذليل الملفات العالقة، لا يحدث فعلياً. 

إصرار موسكو في هذه المرحلة على دفع تركيا ونظام الأسد إلى مستوىً أعلى من التواصل، والتجاوب التركي مع هذه الرغبة، يلقي بعبء على نظام الأسد، أكثر مما يلقي على أنقرة. فالأخيرة نفّذت المطلوب منها روسياً، وها هي تتواصل مع الأسد، بل ومستعدة لرفع مستوى هذا التواصل.. لكن ماذا سيقدّم الأسد بالمقابل؟ هكذا أصبحت الكرة في ملعب الأسد، في نظر موسكو. 

وعلى غرار ذلك، يبدو أن انعطافة "حماس" نحو استعادة العلاقات مع نظام الأسد، لا تخدم مصالح هذا الأخير، بقدر ما ترتب أعباءً جديدةً عليه. فهي تخدم فقط مصالح إيران وروسيا، اللتين تريدان تعزيز نفوذهما في الساحة الفلسطينية، عبر ورقة "حماس"، فيما لا تجد الأخيرة بدّاً من الانصياع لرغبة المموّل الرئيس لها، إيران، بعد سنوات من التضييق الذي تعرضت له من جانب الدول العربية. 

لكن، ماذا عن الأسد؟ كيف سينعكس ذلك عليه؟ بالنسبة لكلفة الانفتاح التركي، فهي أعلى بكثير من أن يتحمّله. فحدوده القصوى قد تصل إلى درجة قبوله بعودة ملايين اللاجئين في تركيا، وتحمّله مسؤولية ملايين آخرين في المناطق الخارجة عن سيطرته في الشمال الغربي، حيث يقطن أكثر المناوئين له شراسةً. عبءٌ له تبعاته الاقتصادية والأمنية الباهظة، التي لا يمكن للأسد أن يتحمّلها. ناهيك عن أن المطلب التركي بإشراك المعارضة السورية في تركيبة الحكم، يبدو وكأنه شطب لكل ما يعتقد الأسد أنه "أنجزه" خلال سنوات حربه على السوريين.

باختصار، بعد أن قذف الأتراك الكرة إلى ملعبه، سيضطر الأسد لتقديم تنازلات بطيئة وطفيفة للغاية، لا تشكّل أي قيمة نوعية يمكن أن تقنع أنقرة بتحقيق المصالحة الكاملة معه. وهو ما ستستخدمه حكومة أردوغان في المحاججة مع موسكو ومع المعارضة التركية، التي تطالب بالحوار مع الأسد لإعادة اللاجئين. وستكون تلك نقطة ستُسجّل على الأسد نفسه، خاصة أمام الروس، سيضطر للمزيد من الارتهان للإيرانيين، كي يخفف من الضغط الروسي بصددها. 

أمّا بالنسبة لأعباء "المصالحة" بينه وبين "حماس"، فهي ستصعّب مساعيه للانفتاح على دول خليجية، وتخفيف التوتر مع إسرائيل، التي ستكثّف من ضرباتها أكثر على الأراضي السورية، فقد أصبحت لديها ذريعة أخرى، تتعلّق بعودة نشاط "حماس" إلى هناك. 

وبالرغم من عدم وجود أفق مرتقب للقاءٍ بين الأسد وأردوغان، إلا أنه حتى لو تخيّلنا احتمال حدوثه في وقت قريب، فإن أردوغان سيلتقي بـ "أسدٍ" آخر، مختلف تماماً عن ذاك الذي عرفه قبل العام 2011. "أسدٌ" مرتهنٌ لنتائج حربه على السوريين، خائفٌ من عودتهم للبلاد، وضعيفٌ وخانعٌ أمام الإيرانيين، ولا يملك شيئاً لتقديمه للآخرين، سوى ابتزازهم بالمخدرات مثلاً، كما يفعل مع الأردن الآن.