الطريق- إياد الجعفري
حتى ساعة كتابة هذه السطور، لم تصدر الضمانات النهائية عن الإدارة الأمريكية، بإزالة سيف قانون "قيصر" للعقوبات، المسلّط على كاهل اتفَاقَي الغاز والكهرباء الموقّعين بين أطراف إقليمية بينها حكومة النظام السوري. وقد جاءت تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، الصادرة يوم الأربعاء، لتؤكد عدم دقّة ما تداولته وسائل إعلام نقلاً عن وزارة الطاقة اللبنانية، بأن الاتفاق النهائي لاستيراد الغاز من مصر إلى لبنان، عبر سوريا، والموقّع يوم الثلاثاء 21 حزيران/يونيو أصبح جاهزاً، يعني أنَّ الضمانة الأمريكية قد أصبحت متوافرة.
إذ قال برايس إنّ واشنطن ستراجع العقود النهائية لصفقة نقل الغاز، لضمان عدم مخالفتها العقوبات المفروضة على نظام الأسد. مؤكداً أن إدارته لن تتنازل عن تلك العقوبات.
كلام رايس بدا متناقضاً، مع ترحيبه بالاتفاق ذاته، بوصفه يوفّر الطاقة "التي يحتاجها الشعب اللبناني بشدة، وسط أزمة الطاقة الحادة التي يعاني منها".
فماذا يعني ذلك؟ يعني أن واشنطن ستمنح الضمانات المطلوبة، لقاء شيءٍ ما، بالمقابل.
قصّة مساعدة لبنان لتوليد الكهرباء، باستخدام الغاز المصري، بدأت في الصيف الفائت، بمبادرة من جانب السفيرة الأمريكية في بيروت، التي اتصلت بالرئيس اللبناني، لتخبره بذلك. ومنذ ذاك التاريخ دأبت أطراف هذا المشروع (مصر، الأردن، لبنان، حكومة النظام)، على تحقيق متطلبات تنفيذه على الأرض، بدءاً بالاتفاقات القانونية، مروراً بإصلاح خطوط تمرير الغاز، خاصة في سوريا، انتهاءً بالاتفاق على مكاسب كل طرف. وأصبح كل شيء جاهزاً للتنفيذ، بانتظار أمرين: ضمان أمريكي نهائي، يبعد "قيصر" عن الأطراف المشاركة، خاصة مصر والأردن، وموافقة البنك الدولي على تمويل المشروع.
لكن واشنطن لم تؤكد حتى اللحظة، أن المشروع المشار إليه سيكون محصناً ضد قانون "قيصر"، الذي يستهدف كل الأطراف المتعاونة مع نظام الأسد. الأمر الذي يدفع للحيرة. فواشنطن كانت أبرز الأطراف التي حرّضت ودفعت باتجاه الترتيب لتحقيق هذا المشروع، منذ الصيف الفائت، فما الذي استجد؟
قبل نحو عام، كانت الخارجية الأمريكية تراهن على بُعدين لدعم هذا المشروع؛ البعد الأول، يتعلق بالحد من النفوذ الإيراني المتفاقم في لبنان، بعد أن دخلت طهران على خط توفير الوقود للدولة المنهارة اقتصادياً. والبعد الثاني، يتعلق بتقديم بادرة حسن نيّة تجاه روسيا، عبر دعم حليفها الأسد، بجزء من عائدات هذا المشروع، من الغاز، الذي يحتاجه النظام السوري بشدة لتمويل محطات توليد الكهرباء المهترئة والمفتقدة للوقود هي الأخرى، كحال نظيرتها في لبنان. وكانت واشنطن طوال العام 2021، تراهن على استراتيجية "خطوة مقابل خطوة"، للتفاهم مع روسيا، في الملف السوري. لكن هذه الاستراتيجية تعرضت لضررٍ كبيرٍ، مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، في شتاء العام الجاري؛ إذ تغيرت الأولويات والاهتمامات الروسية والأمريكية، وانصبت بعيداً عن سوريا، وبعيداً عن مساعي التفاهم بين الطرفين، بخصوصها. ناهيك عن أنَّ واشنطن فقدت اهتمامها، كما هو جلي، بالحد من النفوذ الإيراني في لبنان، انطلاقاً من ملف الوقود، وتحول اهتمامها في الوقت الراهن إلى ملفٍ أكثر حيوية، بالنسبة لها، يتعلق بمنع انزلاق الخلاف اللبناني – الإسرائيلي، إلى مواجهة مسلحة، تخرج عن السيطرة، حول الحدود البحرية المتنازع عليها، والغنية بالغاز.
لذلك، لم يكن من المفاجئ أن ملف منح الضمانات الأمريكية، أصبح من مسؤولية المبعوث الأمريكي الخاص بملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، آموس هوكشتاين، والذي زار لبنان مؤخراً، ووعد اللبنانيين بأن يُؤمّن الضمانات الأمريكية لمصر والأردن لتجنيبهما العقوبات المتعلقة بتمرير الغاز والكهرباء عبر سوريا. وهو ما يؤكد الربط بين هذا الملف، وبين ملف مفاوضات الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والذي يديره هوكشتاين.
وهكذا، تراجعت قيمة التقرّب من روسيا في سوريا، ضمن قائمة الاهتمامات الأمريكية، لصالح ملفات أخرى. وإن كُتب للضمانات الأمريكية الصدور في نهاية المطاف، فسيكون ذلك بهدف دعم مسار التفاوض حول الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وليس لغايةٍ تتعلق بأهدافٍ أمريكية في سوريا.