رأي

هل نشهد خاتمة قريبة لأسطورة "آل قاطرجي"؟

الثلاثاء, 31 مايو - 2022

الطريق- إياد الجعفري 


ربّما من المبكر، الجزم بمآلات الأنباء غير المؤكدة بعد، التي تداولتها وسائل إعلام في اليومين الماضيين، نقلاً عن شبكتين محليتين في محافظة دير الزور. لكن إن صحت تلك الأنباء، فهي تدعم ثلاث معادلات لتوزيع القوة والنفوذ، حكمت المشهد السوري بنسبٍ متراوحة في السنوات الأربع الأخيرة. 

أمّا المعادلة الأولى، وهي الأقدم زمنياً، فمفادها سعي آل الأسد (الشقيقين بشار وماهر) إلى تحجيم كل مركز قوة شخصي أو عائلي صاعد، قد يهدد استمرارية حكم العائلة في المستقبل. بينما تشير المعادلة الثانية إلى تعزيز ماهر الأسد نفوذَه الاقتصادي و"الزبائني" (مع قوى محلية ميدانية) على حساب نفوذ شقيقه، رأس هرم النظام، بشار الأسد. وتتجسد المعادلة الثالثة، الطارئة مؤخراً، في تصاعد النفوذ الإيراني على حساب نظيره الروسي، في الساحة السورية. 

وبالعودة إلى الأنباء، موضوع البحث، فقد أوردت شبكتان محليتان – دير الزور24، وفرات بوست- معلومات تفيد بنتيجة يمكن اختصارها بالآتي:

الفرقة الرابعة في طريقها لانتزاع دور آل قاطرجي في ملف النفط ونقله بين "شرق الفرات" الخاضع لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية – قسد"، ومناطق سيطرة النظام، إلى جانب ملف تجارة الحبوب، بين الجانبين. 

وإن اختلفت التفاصيل وربما تضاربت، بين روايَتَي الشبكتين المحليتين، إلا أنهما تخلصان إلى النتيجة ذاتها الموضحة أعلاه؛ فأمراء قطاع النفط بسوريا، الأشقاء قاطرجي، قد يكونون في طريقهم لخسارة هذا النفوذ، لصالح شقيق رأس هرم النظام، وهو ما يحيلنا إلى المعادلة الأولى التي أشرنا إليها أعلاه. 

فمنذ العام 2018 ، دأب بشار، وشقيقه، على تحجيم كل شخصية أو قوة عائلية صاعدة، خاصة من أمراء الحرب الذين تفاقم نفوذهم خلال السنوات التي سبقت العام المشار إليه. واستهدف هذا المسعى، أمراء الحرب الذين كانوا يستندون إلى قوى ذاتية، ليست مستمدة من آل الأسد أنفسهم. وهو ما يعني أن أمير الحرب ذاك، سيشكل في المستقبل تهديداً لحصرية نفوذ وقوة آل الأسد، الذين قد يقبلون بأمراء حرب لكن أن يدوروا ضمن فلك نفوذهم، لا خارجه. 

فعائلة قاطرجي، شقت طريقها –كما هو معلوم- بوصفها وسيطة بين تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش"، سابقاً، وبين النظام، لإدارة تجارة وتهريب النفط والحبوب. ليفاقموا هذا الدور بعد سقوط "دولة التنظيم"، لصالح "قسد". لكن قوة ونفوذ هذه العائلة لم يكن راجعاً إلى دورهم الوظيفي ذاك، بقدر ما كان نابعاً من إتقانهم نسج العلاقات العشائرية المتينة، في شرق البلاد، بصورة أهّلتهم كي يصبحوا في وقتٍ ما، أمراء قطاع النفط في سوريا، بلا منازع، وبتعميد روسيٍ مباشر. وبذلك خرج آل قاطرجي من دائرة نفوذ آل الأسد، واستطاعوا التحول إلى قوة محلية تنسج شراكات مع القوى الخارجية ذات النفوذ في سوريا. ومع انشغال روسيا بأوكرانيا، والحد من انخراطها في كل شؤون سوريا -كما كان في السابق- جاءت الفرصة المناسبة لآل الأسد، لتحجيم آل قاطرجي. وإن صحت الأنباء التي أوردتها الشبكتان المشار إليهما، فهذا يعني أن قوة ونفوذ آل قاطرجي وُضعت على مذبح آل الأسد، على غرار ما حدث لأسماء سابقة، من وزن رامي مخلوف، وأيمن جابر، وسواهما. 

لكن، وإن كان تحجيم آل قاطرجي يصب في صالح الشقيقين معاً، إلا أن انتزاع قطاع تهريب وتجارة النفط والحبوب بين شَطرَي الفرات، ليصبح في قبضة "الفرقة الرابعة"، يحيلنا إلى المعادلة الثانية. وهي تعزيز ماهر الأسد نفوذَه الاقتصادي، وعلاقاته الزبائنية، مع قوى محلية -هذه المرة، عشائرية- في محافظة دير الزور. فشقيق رأس النظام قليل الظهور، ولم يقم بأي إجراء علني يُنبئ برغبته في تولي الحكم بدل شقيقه، لكنه يعمل حثيثاً وبهدوء، منذ سنوات، على توسيع امبراطوريته الأمنية والعسكرية والاقتصادية و"العلاقاتية"، المتمثلة بـ "الفرقة الرابعة". ويحدث ذلك بدعم رئيسٍ من إيران. وهذا يحيلنا بدوره للمعادلة الثالثة؛ فطهران تسارع الخطى هذه الأيام، لاقتناص أكبر قدر ممكن من المكاسب، في ظل الانشغال الروسي بأوكرانيا، خشية –ربما- أن تنتهي هذه المرحلة قريباً، وتعود موسكو إلى التركيز على الشأن السوري، بأدق تفاصيله. 

وكما بدأنا مقالنا، نختمه بالتأكيد على أنه من المبكر الجزم بصحة الأنباء المنقولة من دير الزور. لكن، لن تكون مفاجأةً للمراقب للشأن السوري، أن نشاهد في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة، خاتمة متسارعة لأسطورة آل قاطرجي. ومثلما صعدوا سريعاً، قد نكون –هذه الأيام- في معرض مشاهدة سقوطهم السريع، وربّما المدوّي.