رأي

بشار الأسد في طهران... السياسة من بوابة الاقتصاد

الثلاثاء, 10 مايو - 2022

الطريق - فراس علاوي


للمرة الثانية خلال عقد من الزمن ومنذ انطلاق الثورة السورية منتصف آذار 2011، ومن المرات القليلة التي يخرج بها رئيس النظام السوري بشار الأسد من عزلته القسرية، منذ خضوعه لعقوبات دولية دبلوماسية واقتصادية، يزور بشار الأسد العاصمة الإيرانية طهران ويلتقي المرشد الأعلى والرئيس الإيراني رئيسي، الزيارة التي غابت عنها طقوس البروتوكول الدبلوماسي، والتي تمت بصورة سرية ولعدة ساعات وبمرافقة وفد اقتصر على الخارجية ومسؤولين دبلوماسيين وغاب عنها العسكر، وقد تمت بمرافقة إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني والذي يعتبر منذ مقتل سلفه سليماني، الحاكم العسكري الفعلي لسوريا، وبالتالي التأكيد على أن الحكم العسكري قد أصبح فعلياً بيد فيلق القدس، وأن تعيين وزير دفاع جديد منذ أيام هو إجراء شكلي الغرض منه إعادة ترتيب أوراق الجيش المتهالك والذي تحول إلى مليشيات متعددة الولاءات. 

بعيداً عن شكل الوفد ومدة الزيارة وسريتها وغياب البروتوكول عنها، فإن الزيارة تأتي في سياق تغيرات إقليمية ودولية واضحة وضمن شقين أساسيين

الأول اقتصادي، والثاني سياسي.

اقتصادياً: جاءت الزيارة في ظل تراجع الدعم الروسي؛ بسبب انشغال الروس بغزو أوكرانيا، وبالتالي ازدياد حاجة النظام الذي يعاني من أزمة محروقات بسبب العقوبات الغربية، وإصرار الغرب على ربط المساعدات وإعادة الإعمار بالتحول السياسي في سوريا، وبالتالي كان لابد من البحث عن بدائل لإنعاش الاقتصاد، ومع محدودية البدائل تم اللجوء لإيران، لتجديد ما سُمّي بالخط الائتماني والحصول على دعم نفطي، وهو ما تملكه إيران في ظل العقوبات المفروضة عليها ومنعها من بيع النفط الذي تنتجه.

لا يملك الإيرانيون التكنولوجيا اللازمة ولا المواد الأولية اللازمة للصناعة والزراعة إلا بنطاق محدود، فسارعوا لتوقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة، رهَنَ فيها بشار الأسد مرافق اقتصادية أخرى لإيران، في حين بدا الإيرانيون غير مستعجلين لتحصيل مستحقاتهم من الديون من النظام السوري، وذلك بغية إحكام قبضتهم على الاقتصاد بشكل أكبر. 

سياسياً:

هناك أربعة متغيرات سياسية وجيوسياسية دفعت ببشار الأسد لزيارة طهران، ففي المرات السابقة كانت طهران تكتفي بإرسال موظفين من المستوى الثاني والثالث في إدارتها، لتوجيه السياسات َوإدارة التفاوض مع دمشق. 

العامل أو المتغير الأول: هو محاولات إعادة النظام السوري للجامعة العربية، على أساس المبادرة التي تقودها الإمارات والأردن والجزائر، والتي تقوم في ظاهرها على ما يسمَّى استعادة النظام السوري من الحضن الإيراني، هذه المبادرة التي لاقت معارضة من دول عربية أخرى، ذات ثقل في الملف السوري كالسعودية وقطر. وضمن هذا النطاق جاءت زيارة بشار الأسد لأبوظبي منذ أسابيع، حيث تلقت الإمارات ومن معها الأجوبة على الشروط التي حملها إليه وزير خارجية الإمارات في زيارته السابقة إلى دمشق، فأمام رغبة إماراتية بدور جديد في المنطقة يتمثل بالتطبيع مع تل أبيب ومحاولة تشكيل تيار جديد في المنطقة بعد لقاء النقب الذي جمع الإسرائيليين مع الدول المطبعة حديثاً إضافة لمصر، وبالتالي كان لابد من تحقيق خرق ما في العلاقات مع النظام السوري، وخوف بشار الأسد بشكل شخصي من وجود فيتو إيراني لهذه العودة أو شروط إيرانية جديدة، وهذا ما أكده له المرشد خامنئي حين أشار في حديثه، أن أعداء الأمس وهنا يقصد الإمارات ومن معها والسعودية ومصر وقطر، لا يمكن أن يكونوا أصدقاء اليوم. 

وضمن هذه التحولات تنتظر طهران زيارة أمير دولة قطر تميم بن حمد، والتي قد تشهد تغيراً ما في الموقف من التطورات الإقليمية خاصة بما يتعلق بمشروع التطبيع. 

ممَّا يؤكد الحديث عن محاولة إيران إعادة تفعيل ما يسمَّى بـِ"محور المقاومة" بعد تفككه إثر الانقسامات السياسية التي أنتجتها حركات الربيع العربي، وفي هذا السياق هناك حديث عن إعادة العلاقات، المتأزمة بين حماس والنظام السوري بدعم إيراني.

كذلك فإن التقارب التركي الخليجي يجعل من فكرة عودة المحاور مطروحة وبقوة، وبالتالي ظهور ثلاثة محاور رئيسية؛ محور التطبيع أو ما سُمّي بالناتو العربي الإسرائيلي، ومحور الاعتدال وبات يضم السعودية وتركيا من منظور أولي ويتخذ موقفاً وسطاً بين التيارات الأخرى، وتيار ما يسمَّى بالمقاومة والممانعة. 

العامل أو المتغير الثاني: وهو مبادرة "خطوة مقابل خطوة" التي ابتدعها بيدرسون من أجل تحريك الجمود في الملف السوري، وتلقفها النظام كطوق نجاة له، من خلال ربط دمشق الشروط العربية بقبولها هذا المبدأ، وهذا ما يفسر بعض القوانين الأخيرة التي أصدرها النظام، بما فيها قانون العفو الذي صدر لاحقاً بعيد زيارته لأبو ظبي. يحاول نظام الأسد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد من خلال الإيحاء بتقديم تنازلات في ملفات داخلية، وبالتالي وضع الكرة بملعب الدول الرافضة لعودته من جهة، والمعارضة السورية من جهة أخرى. 

العامل أو المتغير الثالث: هو مفاوضات الملف النووي الإيراني وانعكاساته على الساحة السورية، إذ يعتبر الملف السوري ملحقاً بالملف الإيراني من خلال التعامل الأمريكي مع الملفين، وبالتالي كان لابد من توضيحات إيرانية للنظام من أجل تحديد مواقفه الدولية والإقليمية. 

العامل الرابع: وهو الغزو الروسي لأوكرانيا وتبعاته الدولية والإقليمية، وعزل روسيا دولياً وفرض عقوبات سياسية واقتصادية عليها، وبالتالي تراجع دورها، وفي ظل تحالف روسي إيراني هش في سوريا، لابد من دور جديد تضطلع فيه إيران في ظل التراجع الروسي، هذا الدور يأخذ أشكالاً سياسية واقتصادية وعسكرية. 


وفي ظل جملة المتغيرات الإقليمية والدولية، سواء التي تتعلق بشكل مباشر بالملف السوري أو غير المباشر المتعلق باحتمالية تراجع الدور الروسي في المنطقة وصعود قوى أخرى قد تغير المعادلات الجيوسياسية في المنطقة -

يُطرح سؤال ضمن هذه المتغيرات: 

هل سنشهد انسحاباً روسياً من سوريا، وبالتالي سيطرة إيرانية على الملف السوري؟ 

وهل سيكون الملف السوري ضمن صفقة شاملة بين الغرب وروسيا؟ 

أسئلة لا يمكن الإجابة عنها بمعزل عن تطورات الوضع في أوكرانيا، والدور الأميركي في المنطقة.