الطريق- فراس علاوي
بعد عقدٍ من الزمن ومع بداية العقد الثاني، وما شهدته سوريا من انزياحات السيطرة والتداخل الدولي، وتعاقب السيطرة على مناطق نفوذ القوى ــ يبدو أن الهدوء أصبح السمة الأساسية. وهنا لا يعني الهدوء توقف العمليات العسكرية، حتى وإن أصبحت في حدِّها الأدنى، إنما هو رسم حدود السيطرة والنفوذ عبر القوى الدولية والإقليمية المتداخلة ووكلائها على الأرض، وذلك عبر اتفاقات وتوافقات ثنائية لرسم خطوط وقواعد الاشتباك.
من هنا بدأت مقاربات الحل تأخذ شكلاً مختلفاً حسب طبيعة التداخل ورؤية الحل، حيث تمايزت ثلاث مقاربات للحل، جميعها تمر عبر نظام الأسد وتستثني المعارضة السياسية بشكلها الحالي، باستثناء مقاربة غير بيدرسون، المسمَّاة خطوة مقابل خطوة.
مقاربة غير بيدرسون
يسعى المبعوث الدولي عبر مقاربته المزعومة على تحصيل مكاسب من النظام، ومنحه ضمانات وتقديم تنازلات له، من أجل جرّه لطاولة الحل السياسي، وكأنه يعطيه الجزرة بدون أيِّ عصا، وبالتالي فإن المقاربة تحمل عنوان فشلها في طريقة تطبيقها؛ فلا النظام يملك جميع الأوراق التي تؤهله للعب دور الند ولا القوى الداعمة له تقبل بفتات الحل دون إشراكها بشكلٍ كبير، ما يعني أنّ الخطوات المطلوبة من النظام أقل بكثير ممّا سوف يُعطى له؛ لأنه بطبيعة الحال سيتقاسمه مع داعميه الروس والإيرانيين، وهذا يحيلنا إلى ما يحدث في اللجنة الدستورية من مماطلة وإغراق بالتفاصيل، وبالتالي لا تبدو هذه المقاربة صالحة لأن تكون نواة للحل أو لتطبيق القرار ٢٢٥٤.
المقاربة الثانية هي المقاربة الأمريكية
تعتمد السياسة الأمريكية على عاملين أساسيين؛ الأول هو ربط الملف السوري بالملف الإيراني، وهذا في حقيقة الأمر نقطة قوة للمفاوض الإيراني الذي بات يفاوض على مكاسب خارج نطاقه الحيوي، ويستخدم أوراق ضغط بعيدة عن محيطه الجيوسياسي، وبالتالي قد تحصل إيران على مكاسب كبرى في سوريا في حال توقيع الاتفاق النووي، ما يجعل نظام الأسد المستفيد الأول من ذلك.
الثاني هو الرهان على العقوبات الاقتصادية والتي يبدو أنّ إدارة بايدن بدأت بالتملص منها تحت ذرائع شتى، كما أنّ انعكاس هذه العقوبات حتى اللحظة أثّر بشكل فعلي على المواطن البسيط فقط، وبعد عشرة أعوام مضت أصبح الرهان على تفكيك بنية النظام الاجتماعية رهاناً ضعيفاً؛ لأنّه يرتبط بعدة عوامل عمِل نظام الأسد على تثبيتها خلال عقود من الزمن، أبرزها ربط مصير مؤيديه وطائفته به، وبالتالي أصبح وجودها مرتبطاً ببقاء النظام، لذلك فالمقاربة الأمريكية هي مقاربة طويلة الأمد وقابلة للتغيير حسب الإدارات الأمريكية، وترتبط بشكلٍ واضح بالملف الإيراني.
المقاربة الثالثة:
وهي تشبه ما سبقها من مقاربات إلى حدٍّ ما، من حيث المبدأ، لكنها تختلف من حيث المضمون، فهي تعمل على استعادة نظام الأسد من الحضن الإيراني من خلال تقديم تطمينات وجوائز ترضية له، ويقود هذه المقاربة عدد من الدول العربية في مقدمتها الإمارات والأردن والجزائر، ويبدو أنّ هناك تياراً إسرائيلياً بات مقتنعاً بها، خاصة مع اجتماع النقب الذي جمع أطراف هذه المقاربة مع الإسرائيليين.
لكن، ثمَّة أسئلة لابدَّ من طرحها من خلال هذه المقاربة:
السؤال الأول: هل يملك الأسد القدرة على فك ارتباطه مع إيران؟
السؤال الثاني: هل تقبل إيران ولو شكلياً بفك الارتباط؟
لعلَّ الإجابة عن هذه الأسئلة معروفة تاريخياً، فقد حاول العرب في السابق الاستفادة من علاقة حافظ الأسد بإيران، وبالتالي الضغط عليها أو الاستفادة من هذه العلاقة لترتيب الأوضاع في المنطقة، إلا أنّ حافظ الأسد استطاع حينها اللعب على الجميع، والسير في علاقاته على حافة الهاوية، كما أنّ بشار الأسد يختلف عن سلفه في العلاقة مع إيران، فقد تحولت علاقته من علاقة تبادل منفعة وعلاقة ندية نوعاً ما، إلى علاقة تابع ومتبوع، وهذا يعني فشل المقاربة.
المشكلة التي تحملها جميع تلك المقاربات، هي أنها لا تملك خارطة طريق واضحة محددة بفترة زمنية، كما أنها تفترض قدرة النظام على اتخاذ القرارات المصيرية، ولا تضع بدائل في حال رفض النظام أو لم يستطع الإيفاء بالتزاماته، وبالتالي فجميعها تقدم الجزرة دون أن تلوِّح بالعصا، ما يجعلها جميعها تدخل منطقة اللعب الآمنة للنظام السوري، ويجري صراعها على الهوامش دون الدخول لعمق القضية المراد حلها.