رأي

دلالات التغييرات الأخيرة في قيادة جيش النظام

الثلاثاء, 3 مايو - 2022

الطريق- إياد الجعفري


في الأيام القليلة الماضية، قِيل الكثير عن دلالة تعيين وزير دفاع "سُنّي" في "الجيش" التابع لنظام الأسد، باعتباره محاولة تعمية على الجدل الذي أثاره الكشف عن "مجزرة التضامن"، والتي حملت بعداً طائفياً جليّاً من ناحية منفذيها، وطريقة التنفيذ.

وقد تكون القراءة السابقة صحيحة، من زاوية التوقيت فقط. إذ من المعلوم، أن بدائل الشخصيات التي تحتل مواقع حسّاسة في تركيبة الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام، تكون مُعدّة منذ فترة طويلة، ويتم العمل على اختبارها، استعداداً للحظة المناسبة لاستخدامها. لكن دون شك، للتوقيت دلالته؛ إذ من المعتاد أن تصدر نشرة التعيينات القيادية الجديدة في "الجيش"، في شهر تموز/يوليو. لذا، فإن إصدار نشرة التعيينات القيادية الجديدة، في نهاية نيسان/أبريل، يعتبر أمراً غير معتاد. ومن الملفت، أن يأتي مباشرةً بُعيد تداول فيديو "مجزرة التضامن"، والكشف عن هوية أبرز منفذيها.

لكن في الوقت نفسه، لتعيين رئيس جديد للأركان دلالة هامة أيضاً. وذلك بعد غياب اسم رسمي للمسؤول عن هذا المنصب الحسّاس في "الجيش"، لأربع سنوات، والذي هو من ناحية الأثر العملي، أكثر أهمية بكثير من منصب "وزير الدفاع". 

ومنذ العام 2018، حينما رُقي علي أيوب، من رئيسٍ للأركان إلى وزيرٍ للدفاع، دون تعيين رئيسٍ بديل للأركان، سادت نظريتان؛ الأكثر رواجاً، أن المنصب كان شاغراً؛ لأنّ من تولت مفاعيله العملية، كانت غرفة العمليات الروسية الموجودة في مقر هيئة الأركان بدمشق. فيما تولى، علي أيوب، وزير الدفاع، مهام رئيس الأركان ذات الطابع الإداري. أمَّا النظرية الثانية، فمفادها أن منصب رئيس الأركان بقي ضمن سلطة، علي أيوب، رغم تسلمه موقع وزير الدفاع. 


وأياً كانت النظرية الصحيحة من النظريتين السابقتين، فإن دلالتهما كانت واحدة بالنسبة للمراقبين والمختصين بالشأن العسكري السوري. فـ علي أيوب، شخصية مقرّبة من الروس، وكان يُوصف بأنه رجل موسكو داخل "المؤسسة" العسكرية. فسواء كان هو المسؤول عن رئاسة الأركان، أو كانت غرفة عمليات روسية هي من تدير ذاك الموقع، خلال السنوات الأربع الماضية، فإن الحصيلة كانت واحدة.

لكن الآن، يغادر علي أيوب، "المؤسسة"، تماماً، نظراً لتجاوز الـ 70 من عمره. هل أُحِيل الرجل للتقاعد، فقط، لأن القانون يضع حداً لخدمته، عند هذا السن؟ بطبيعة الحال، لا. فالنظام يتجاهل "القانون" حينما يريد. ويكفي أن نعطي مثالاً عن وزير الدفاع "التاريخي" لهذا النظام، مصطفى طلاس، الذي أُحيل للتقاعد، عام 2004، وكان حينها في الـ 72 من عمره. إحالة أيوب للتقاعد لا ترتبط بعمره، بل ترتبط على الأرجح بظرف مناسب يغتنمه رأس النظام، بشار الأسد، لإضعاف جانب من النفوذ الروسي داخل "مؤسسة الجيش". فالأسد، لم يُحل رجل روسيا المفضّل داخل "الجيش"، للتقاعد" فقط، بل وسحب رئاسة الأركان، من قبضة موسكو أيضاً. وهذا التوقيت، حيث تنهمك القيادة الروسية بكل تركيزها بالحرب في أوكرانيا، هو التوقيت الأفضل لإجراء هذا التغيير.

أمَّا دلالة التركيبة الطائفية للتغييرات القيادية الجديدة، فهي لا تستحق الكثير من النقاش، وهي أمر معلوم لعموم السوريين. وكما قالت إحدى وسائل الإعلام، فقد أحاط الأسد، وزير دفاعه الجديد "السُنّي"، بثلاثة ضباط من الطائفة العلوية؛ رئيس الأركان، ونائبه، وقائد الفيلق الأول. إنَّ البعد الطائفي، لجوهر سلطة العائلة الحاكمة في سوريا، مفروغ منه، ومعلوم بالضرورة، منذ بدء تأسيس النظام ذاته. وقد يكون من الممتع في هذا السياق، الإحالة إلى فصلٍ من كتاب "فلاحو سورية: أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم"، للباحث الأمريكي من أصل فلسطيني، حنا بطاطو، والذي أضاء على منهجية الأسد الأب، مؤسس النظام، في نسج تركيبة "الجيش" بصورة تضمن ولاءَه التام له.

ومن الأمثلة على ذلك، وفق الكتاب، أن ناجي جميل "السُنّي"، والذي كان على رأس القوى الجوية، لم يكن يستطيع تحريك طائرة، دون علم رجال، محمد الخولي، "العلوي"، الذي كان يقود مخابرات القوى الجوية. فيما رئيس الأركان "التاريخي" في عهد الأسد الأب، حكمت الشهابي، "السُنّي"، لم يكن يملك صلاحية تحريك أي قطعة مهمة في "الجيش"؛ لأنّ ذلك كان من صلاحيات، نائبه، علي أصلان، "العلوي".

بطبيعة الحال، لا ينفي ما سبق، أن الأساس في اعتماد النظام على شخصية معينة في منصب حسّاس، هو اختبارات الولاء التي تكون هذه الشخصية قد اجتازتها. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن نكران، البعد الطائفي الذي يستخدمه النظام بوصفه عصبيّة اجتماعية – سياسية، تتيح له الإمساك بالسلطة بقوة، خاصة داخل أدوات القسر الرئيسية التي يستخدمها ضدَّ السوريين، وهي "الجيش" والأجهزة الأمنية.