رأي

إيران كـ "مقاول" لمصالح أمريكا.. السيناريو الذي تخشاه إسرائيل

الأربعاء, 30 مارس - 2022

الطريق- إياد الجعفري 


إن أردنا أن نختصر لبّ الحكاية بخصوص ما يتعلق بطلب إيران رفع "الحرس الثوري" من قوائم "الإرهاب" الأمريكية، كشرط لإعادة إحياء الاتفاق النووي، والاستنفار الإقليمي الإسرائيلي تحديداً حيال ذلك، فقد يكون أكثر ما يفيدنا هو العودة إلى حديث قديم للمرشد الإيراني، علي خامنئي، في عام 2017، حين علّق على مطالب وشروط أمريكية تتعلق بنشاط الحرس الثوري وحضوره الإقليمي. 

والكلمات التالية لخامنئي، ننقلها على ذمة دراسة قديمة نشرها موقع "الجزيرة نت"، حول آثار وضع "الحرس الثوري" على قائمة  "الإرهاب" الأمريكية عام 2019. 

وكما أشرنا، فحديث "المرشد" يعود إلى مرحلة سبقت انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة دونالد ترامب من الاتفاق النووي –عام 2018- وبدء تلك الإدارة في فرض سلسلة من العقوبات على طهران. يقول خامنئي: "من المعلوم أن أميركا مستاءة من الحرس، هل تتوقعون أن تكون راضية عن فيلق القدس وعن قادة الحرس الفعَّالين في الميدان؟ بالتأكيد سيثير ذلك استياءهم وسيضعون شروطاً هنا وهناك للحد من عوامل اقتدارنا. إنه تماماً كمن يدعو فريق المصارعة لدينا للمشاركة في بطولة العالم بشرط استثناء لاعبين بعينهم من المسابقة، وهذا في حقيقته دعوة إلى الهزيمة. إن فرض شروط مثل ألا يتدخل الحرس في القضايا الإقليمية يشبه تلك الدعوة، وذلك يعني منع مصادر القوة والاقتدار من أن تكون حاضرة في الساحة، نحن علينا أن نجيب بالعكس وعلينا أن نعلي من أهمية اقتدارنا على الصعيد الأمني والعسكري". 

ماذا نفهم من كلمات خامنئي السابقة؟ نفهم ببساطة، أن الهدف من "الحرس الثوري" توفير مصادر القوة والاقتدار، التي تتيح لإيران أن تكون حاضرة في "الساحة". بطبيعة الحال، هو يقصد بـ "الساحة"، منطقة الشرق الأوسط، ويقصد بذلك، تحقيق النفوذ الإقليمي لإيران. لم يقل خامنئي في سياق ذلك الحديث، أن قيمة "الحرس" تتمثل في مقدار ما يحققه في سياق سعيه للـ "القضاء على إسرائيل". رغم أن "البروباغندا" الإيرانية، تقدّمه للشارع المحلي، بوصفه، كذلك. باختصار، في فهم خامنئي، "الحرس" أيقونة طهران للتسيّد في المنطقة. 

النقطة ذاتها، انطلاقاً منها، يمكن فهم سرّ الخشية الإسرائيلية من احتمالية رفع واشنطن "الحرس الثوري" من قائمة "الإرهاب". فإسرائيل تخشى بصورة أساسية من احتمالات "التطبيع" الأمريكي مع النفوذ الإقليمي لإيران في المنطقة. وهو ما عبّرت عنه صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، قبل أيام، أصدق تعبير، حينما قالت: إن الاتفاق النووي الإيراني قد يستبدل الهيكل الأمني الإقليمي السابق، بقيادة أمريكا، بنظام تصبح فيه إيران، بدعم من روسيا والصين، المقاول الفرعي الجديد لأمريكا. 

لذلك نجد استنفاراً جليّاً في إسرائيل، حيال هذا التطور. حتى مع بروز أصوات لمحللين وخبراء إسرائيليين، يقللون من أثر رفع "الحرس" من قوائم "الإرهاب" وأنّه لن يغيّر الكثير من واقع العقوبات الأمريكية على تلك "المؤسسة" الإيرانية. فهي عقوبات تعود إلى ما قبل إدراج "الحرس" كمنظمة "إرهابية". بل إن  بعضهم أقرّ بصوابية وجهة نظر مسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية، التي تقول إن رفع "الحرس" من قوائم "الإرهاب"، خطوة ذات "أهمية رمزية فقط". لكن على الضفة الأخرى، يبدو الخائفون من هذه الخطوة، خاصة داخل أروقة الحكومة الإسرائيلية، واضحين بشكل أكبر، تحديداً تجاه هذه "الأهمية الرمزية"، والتي قد تعني "تطبيعاً" أمريكياً مع دور إيراني نوعي، في الإقليم. وهو ما يهدد مكانة إسرائيل كحليف رئيسي لواشنطن، في المنطقة. تلك الخشية الإسرائيلية، قديمة، وتعود إلى عقود، وتحديداً منذ مطلع التسعينات، كما يكشف كتاب قدير للأكاديمي الأمريكي من أصل إيراني، تريتا بارزي، حمل عنوان "حلف المصالح المشتركة – التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة"، والذي صدر عام 2008، وحاول إثبات نظرية مفادها أن العداء المستحكم، علناً، بين طهران وتل أبيب، يرجع إلى المنافسة الاستراتيجية بينهما، وليس إلى تهديدات وجودية متبادلة، أو أسباب عقائدية. 

نجد هذه الأيام تأكيداً لهذه النظرية، كما سبق وأشرنا إلى ما كتبته صحيفة "جيروزاليم بوست" قبل أيام، لنجد نظيراً له في آراء باحثين إيرانيين أعادوا إحياء الحديث عن صياغة "نظام أمني جديد" في الشرق الأوسط، إن نجحت المساعي لرفع "الحرس الثوري" من قوائم "الإرهاب" الأمريكية، وأُعيد إحياء الاتفاق النووي. فكرة "النظام الأمني الجديد"، سبق أن طرحتها طهران، عدة مرات، بهدف خلق حالة أشبه بـ "التحالف" الأمريكي – الإيراني، تقرّ فيها واشنطن، بدور طهران، في ضبط التوترات بالمنطقة، وبالتالي، الإقرار بنفوذها الإقليمي فيها، الأمر الذي يعني بالمحصلة تحوّل إيران إلى لاعب إقليمي حاسم، بإقرار وتفهم أمريكي علني هذه المرة. 

وفيما نكتب هذه السطور، تستنفر حكومة تل أبيب كل قدراتها، سواء عبر أصدقاء وحلفاء لها في العالم العربي، عبر قِمم ولقاءات شرم الشيخ والعقبة ومن ثم النقب، أو عبر حلفاء داخليين في الولايات المتحدة، تحديداً من خلال المؤسسة التشريعية الأمريكية، التي تراهن تل أبيب على أن تُفلح ضغوط جمهوريين وديمقراطيين فيها على إدارة جو بايدن، في لجم اندفاع هذه الإدارة نحو طهران. 

أما في هذه الأخيرة، فتتعرض الدبلوماسية ممثلة بوزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، لضغوط، كي لا تتراجع عن شرط رفع اسم "الحرس" من قوائم "الإرهاب". وما بين ضغوط الطرفين، على المفاوضين في فيينا، ودور إسرائيل في تصعيدها، تبدو مفاوضات اللحظة الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي، معرّضة بشدة للإجهاض.