الطريق- إياد الجعفري
أثارت التصريحات الأخيرة لـ غير بيدرسون، حفيظة منظّرين في ضفة المعارضة السورية، ودفعتهم لشن حملة انتقادات متزامنة تجاه المبعوث الدولي الخاص بسوريا.
وكان من أبرز النقاط التي تسببت بهذا الكم من الاستياء، توصيف بيدرسون في حديثه لصحيفة "الشرق الأوسط"، أنه لا خلافات استراتيجية بين أمريكا وروسيا في سوريا؛ فأمريكا تخلت نهائياً عن سياسة "تغيير النظام"، وتريد فقط "تغيير سلوكه".
منتقدون سوريون لـ بيدرسون، استخدموا تصريح أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بأن لا عودة قريبة لـ "سوريا" إلى الجامعة، بوصفه دليلاً "ينسف" ادعاءات بيدرسون بأن واشنطن لا تريد "تغيير النظام"، بل تريد "تغيير سلوكه". وحسب هؤلاء، فإن قرار الدول العربية برفض عودة النظام إلى الجامعة، هو نتيجة مواقف الغرب الذي رفض التطبيع مع النظام.
لكن هذا الانتقاد لـ بيدرسون يتجاهل أن واشنطن أعلنت - على الملأ، أكثر من مرة، ومنذ عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعلى لسان مبعوث خارجيته المعني بالملف السوري، جيمس جيفري - أنَّ واشنطن لا تريد تغيير نظام الأسد، بل تريد تغيير سلوكه.
وبخصوص "قطار التطبيع العربي" مع نظام الأسد، والذي يبدو أنه توقف الآن، الأمر الذي فسّره منتقدو بيدرسون أنه نتاج "فيتو" أمريكي، لم يكن لهذا "القطار" أن ينطلق أساساً، لولا شيء من التساهل الأمريكي حياله. ويمكن إيجاد ما يكفي من التصريحات والتسريبات خلال الأشهر القليلة الفائتة، التي تؤكد أن المحطة الأولى التي انطلق منها هذا "القطار" كانت بتسهيل أمريكي، وأن المشكلة الأساسية التي كانت لدى واشنطن هي في "سرعة هذا القطار"، وليس في حركته بالأساس؛ فالمطلوب أمريكياً، هو ألا يكون "التطبيع" مع الأسد، مجانياً. وهو ما دفع واشنطن لاحقاً للعمل على تخفيف "سرعة قطار التطبيع" العربي، ولجم اندفاعه. دون أن ننسى أن الدول الرئيسية المطبّعة مع الأسد لم تكن بحاجة لضغط أمريكي كبير، كي تخفف من اندفاعها نحو التطبيع. فها هي الأردن، تتعرض لغزوات متفاقمة من مهربي المخدرات عبر حدودها، منذ زيادة جرعة انفتاحها على الأسد؛ أي أن هذا الانفتاح جلب لها نتائج عكسية في أحد أبرز الملفات الأمنية التي تشغل صانع القرار الأردني. أما الإمارات، فتعرضت لقصف "حوثي"، بضوء أخضر إيراني، دون أن يجرؤ نظام الأسد حتى على مجرد الإدانة، الأمر الذي لا بد أنه أثار استياء صانع القرار الإماراتي الذي كان سخياً في انفتاحه الدبلوماسي على الأسد.
أما ثاني النقاط التي تسببت باستياء منظّرين معارضين من بيدرسون، ما وُصف بأنه "مقاربة" جديدة له، حيال العُقدة السورية، بعنوان "خطوة مقابل خطوة". ومن الصادم أن يصف البعض تلك "المقاربة" بأنها خاصة بـ بيدرسون، أو أن الرجل قرر انتهاجها بصورة مفاجئة. فمقاربة "خطوة مقابل خطوة"، هي مقاربة أمريكية، اعتمدتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيال نظام الأسد وحليفه الروسي، منذ آذار/مارس الفائت على الأقل، وهي تقوم بتنفيذها بالفعل منذ ذلك التاريخ، عبر سلسلة من إعفاءات العقوبات التي أصدرتها واشنطن لصالح نظام الأسد، بالتوازي مع عدم إصدار أية حزمة جديدة من عقوبات "قيصر".
أما الانتقادات لـ بيدرسون، بكونه تجاوز صلاحياته بوصفه "ميسّراً" أممياً، لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي ينص على تحقيق "انتقال سياسي" في سوريا، عبر إنشاء هيئة حكم انتقالية تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة.. فهذه الانتقادات تتناسى تماماً، أن الرجل مجرد "ميسّرٍ" فعلاً. إذ ما كان لـ بيدرسون أن يذهب بأي اتجاه، لو لم تكن الدول الكبرى، التي تمسك قرار مجلس الأمن بقبضتها -وفي مقدمتها أمريكا- قد أوحت له بذلك. حال بيدرسون في ذلك، كحال "أبو الغيط"، أمين عام جامعة الدول العربية، الذي عُرف بمصافحته الحميمة لوزير الخارجية الراحل وليد المعلم داخل أروقة الأمم المتحدة، قبل عامين.
الرجل ذاته قال مؤخراً: إنّ عودة النظام إلى الجامعة غير متاحٍ الآن. لأنه ببساطة ينفّذ، ولا يتخذ القرار. ولو كان القرار بيده، أو له هامش حقيقي في صناعته، لكان على الأغلب من المؤثرين بشدة نحو التطبيع مع الأسد.
في الختام، تبدو انتقادات نشطاء معارضين لـ بيدرسون، الوجه الآخر لانتقادات النظام، للرجل نفسه. فالطرفان يعتبرانه منحازاً للآخر. بينما يجب على منتقدي بيدرسون، عدم المبالغة في حجم الرجل وتأثيره، والتركيز على ما يمكن فعله للتأثير في صنّاع القرار الحقيقيين في المواقف الدولية حيال الصراع بسوريا، والذين يحركون بيدرسون. أبرز صنّاع القرار هؤلاء، هم في واشنطن، تلك التي يجب العمل على تعزيز قناعتها بعبثية الرهان على تغيير سلوك الأسد. إلى جانب العمل للتأثير على صنّاع القرار في العواصم العربية الفاعلة، في الاتجاه نفسه.