رأي

سوتشي" جديد أم إعادة للعلاقات المقطوعة؟

الجمعة, 24 سبتمبر - 2021
ترى روسيا أن قوتها لا تفرض عليها التنازلات في سوريا
ترى روسيا أن قوتها لا تفرض عليها التنازلات في سوريا

الطريق- عمار جلو


أعلن مكتب الرئاسة التركية عن زيارة متوقعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاتحاد الروسي، يُجري خلالها محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. 

بدوره صرَّح المتحدث باسم الرئاسة الروسية أن الإعداد والتجهيز لهذه المحادثات قائم، حيث سيتم تناول العلاقات الثنائية والقضايا السورية، ممَّا أثار التكهنات حول فتح العلاقات مع دمشق نتيجةً للضغوط الروسية وأسوةً بالانفتاح التركي على كلٍ من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية، وما تشهده المنطقة من تحولات تصبُّ في هذا المجرى.

تنطوي العلاقة بين الطرفين الروسي والتركي على علاقة معقدة وقاسية في الساحة السورية، وهو ما ينحسب على خيارات الطرفين في مواجهة بعضهما البعض، وقد لعب العامل الاقتصادي ومستوى التبادل التجاري بين الدولتين دوراً أساسياً في توازن العلاقة بين الدولتين في ظل تناقض الرؤى حول الحل العسكري ومسار الحل السياسي للقضية السورية، كما ساهمت سياسة تجزئة المشاكل إضافةً لعوامل أخرى في تجاوز الهزات التي أصابت الشريكين اللدودين؛ منها الحاجة الروسية لشريك إقليمي مساعد في الحل السوري لا سيّما مع امتلاك أنقرة لقرار العديد من الفصائل المعارضة في الشمال السوري وتأثيرها البالغ على القرار السياسي للمعارضة السورية، وهو ما تحتاجه لفرض واقع ميداني وسياسي يُسيّرُ الحل السوري على الجادة الروسية فقط.

نقلت وكالة رويترز عن مسؤول تركي قوله إنَّ جدول الأعمال لمحادثات سوتشي المزمع عقدها بين الرئيسين ستتمحور حول سوريا وبالتحديد إدلب. مضيفاً أن الشروط المنصوص عليها في اتفاق إدلب لم تنفذ بالكامل، وهو ما سبق التصريح عنه من قبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بالقول: "إنَّ تركيا لم تتمكن من استكمال تنفيذ الاتفاقات الخاصة بفصل المعارضة عن الإرهابيين في إدلب" حيث تقع مسؤولية تفكيك التنظيمات المتطرفة وتسليم الطرق الدولية لنظام الأسد على عاتق الدولة التركية بموجب اتفاق سوتشي 2018 ، مما يدعو لتوقع اتفاق سوتشي جديد يتم التوصل إليه خلال المحادثات المزمعة يمكن أن يُلزم تركيا بواقع ميداني جديد يسمح لموسكو ترجمته على طاولة المفاوضات السورية؛ ممَّا يمنحها أوراق ضغط تفرض على الطرف المعارض للنظام القبول بالحد الأدنى من الحقوق، إذ تنظر موسكو تجاه نفسها على أنها هي القوة القادرة على فرض الحلول في سوريا، ورغم التعاون الذي خلقته الظروف مع أنقرة، إلا أنه مرحلي أملته ساحات القتال التي طالها الهدوء حالياً؛ ممَّا أوجد البيئة المناسبة لفرض شروط روسية ملزمة للجانب التركي كسحب نقاط المراقبة وتسليم الطرق الدولية.

شجعت موسكو على تعاون أمني بين دمشق وأنقرة؛ إذ قامت بوساطة لجمع رؤساء مخابرات الطرفين "حقان فيدان وعلي مملوك" بهدف شق طريق لعودة العلاقة الرسمية بين البلدين، كما استعملت الضغط العسكري لتعزيز هذه اللقاءات، من ذلك إجبار أنقرة على التعاون الأمني لتنسيق العلاقة على خطوط التماس، وقد طرحت هذه اللقاءات للعلن حديثاً على لسان عدد من مسؤولي البلدين، غير أنها لاتزال دون المستوى المطلوب لإحداث فجوة يمكن من خلالها العبور إلى لقاء يجمع الرئيسين التركي والسوري، إذ تنظر أنقرة إلى ملف اللاجئين وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني كمحددين أساسيين لعودة علاقاتها مع دمشق، ولم تقدم الأخيرة ما يزيل المخاوف التي تعتري الأمن القومي التركي من وجود قسد بالقرب من حدود الجار التركي، أو مساهمة حقيقية في تهيئة أجواء العودة الطوعية للاجئين؛ وهي مخاوف جديّة على الوضع الداخلي التركي المرتبك نتيجة استغلال المعارضة التركية لقضية اللاجئين في مواجهة حزب العدالة والتنمية الحاكم. تدرك موسكو هذا الارتباك وتعمل على الضغط فيه من خلال الضغط العسكري في الشمال السوري لمضاعفة قضية اللجوء، فيما تجهد الحكومة التركية لنقل الأزمة إلى الداخل السوري عن طريق منطقة عسكرية آمنة تكون نواة لمنطقة آمنة قد تفرضها على موسكو أو تقنعها بإنشائها.

تعتبر روسيا نفسها أنها في موضع قوة لا يفرض عليها تقديم تنازلات كبيرة في الشأن السوري، بالأخص حول مستقبل النظام، إذ ترى القضية السورية أبعد من تركيا كونها تتعلق بالمكانة الدولية لروسيا في مواجهة الولايات المتحدة، وقد عززت السياسة الأمريكية تلك الرواية من خلال إلهاء الروس في إدلب لأطول وقت ممكن وإقناعهم بأنهم الطرف المؤثر في تسوية النزاع في سوريا، بينما تعتبر أنقرة مجبرة على ادعاء الصلابة في الشأن السوري للحفاظ على هيبتها كقوة إقليمية ولتأثيرات الحدث السوري على الأمن القومي التركي، وبالرغم من تجاوز العديد من التوترات التي شابت العلاقة بين البلدين إلا أنَّ ما تتطلبه المرحلة القادمة يفرض تنازلات جوهرية من قبل الشريكين اللدودين في طريق الحفاظ على التعاون القائم بينهما، بيدَ أنَّ ذلك لا يعني بالضرورة تنازلات تقدمها أنقرة؛ فعلى الرغم من فارق القوة لصالح موسكو إلا أنه لا يمكن لموسكو فرض شروطها على أنقرة، ما يدفع الأخيرة للعودة مجدداً للحليف الأمريكي وهو ما لا ترغب موسكو في رؤيته على ضوء سياستها الرامية إلى اختراق الحلف الأطلسي من البوابة التركية، إضافةً لمعاكستها للسياسة الأمريكية الرامية لسحب أنقرة من الأيادي الروسية.

تقوم العقلية البوتينية على محاولة الحفاظ على النفوذ الروسي من خلال التأثير الاقتصادي، وهي منهجية قد أتت أكلها في إعادة أنقرة للضفة الروسية بعد توتر العلاقات بين الجانبين إثر إسقاط الطائرة الروسية من قبل الطائرات التركية عام 2015 وشهدت بعدها العلاقات السياسية والاقتصادية مساراً تصاعدياً في العديد من المجالات، ومنها توافقات سوتشي التي ستناط محادثاتها المزمع عقدها بين الزعيمين القضايا الشائكة بينهما، وهو ما رأى فيه البعض إمكانية تجاوب أنقرة مع الضغوط المتكررة من قبل موسكو لفتح علاقات مع دمشق، في ظل ما تشهده السياسة التركية من إعادة تموضع في المنطقة، إلا أنَّ هذه الرؤية يعوزها شروط لم تتحقق حتى الآن.