رأي

المصالح الروسية الإيرانية في سوريا بين التعاون والتنافس

الخميس, 2 سبتمبر - 2021
المصالح الروسية الإيرانية التقت على الانخراط في سوريا
المصالح الروسية الإيرانية التقت على الانخراط في سوريا

الطريق- عمار جلو

 

أعادت أحداث درعا جملة من التساؤلات؛ منها المحلي كمصير المصالحات التي يجريها الوسيط الروسي، ومنها الإقليمي والدولي أو بالأدق: طبيعة العلاقة بين الاتحاد الروسي والجمهورية الإيرانية في سوريا في ميزان العلاقات الدولية، لاسيَّما مع الضجيج الذي يحجب الوعي جراء التصريحات الإيرانية التي تصف موسكو بالحليف.

يعتبر التعاون الدبلوماسي أدنى مراحل العلاقات الدولية مع تراوح هذا التعاون بين قائم بالأعمال وقنصل وسفير، تليه مرحلة التشاور والتنسيق التي تمثل اختباراً جدياً لعلاقة دولتين فيما بينهما، وتلعب العوامل التاريخية دوراً مؤثراً في هذه المرحلة، تنتقل بعدها الدولتان اللتان تجاوزتا الاختبار بإيجابية إلى التفاهم، ثمَّ التكامل، ومنه إلى الاندماج الذي يسبق التحالف الذي يتربع على  عرش العلاقات الدولية.

ولإبعاد المقال عن الأسلوب الأكاديمي والدخول في صلب العنوان، لابدَّ من المرور سريعاً على منطلقات ومحددات التدخل الروسي/ الإيراني في سوريا؛ إذ تنطلق روسيا في تدخلها في سوريا من محدد براغماتي بحت يصب في عودة موسكو للساحة الدولية، وجمع أوراق قوة في الشرق الأوسط من البوابة الشامية؛ للمقايضة بها إن لزم الأمر في الجوار الأوكراني ودول البلقان، بالإضافة لملء الفراغ الذي تحدثه الاستراتيجية الأمريكية الراغبة بتقليص وجودها في  المنطقة، فيما تنطلق الاستراتيجية الإيرانية من محدد مذهبي/ براغماتي تسعى من خلاله لبسط نفوذها في المنطقة؛  للوصول لما يسمى بالقوة التعديلية من خلال محاصرة النفوذ الإسرائيلي وقطع الطريق أمام التواصل السعودي/ التركي المثير لهواجس طهران، بالإضافة لمشروعي خط الغاز الإسلامي وخط المتاريس الشيعية المتقدمة للدفاع عن الدولة المركزية في طهران.

التقت المصالح الروسية الإيرانية على الانخراط في الوضع السوري؛ للحفاظ على النظام السوري بقيادة "الأسد"  والحفاظ على "وحدة التراب السوري"، إضافة للقضاء على التنظيمات الإرهابية ومزاحمة النفوذ الأمريكي في المنطقة، بلغ هذا التعاون أوجه في معركة حلب مطلع عام ٢٠١٧ ومنها بدأت مسيرة الافتراق بين الجانبين، إذ جنحت موسكو بعد المعركة وتغيرت موازين القوى لصالح النظام إلى طرح الحل السياسي للوصول للحل النهائي في سوريا، فيما أصرَّت طهران على الحل العسكري، كما عارضت بدايةً إدخال تركيا في الحل المقترح، ورفضت دعوة واشنطن لهذا المسار الذي تم تفعيله في الأستانا وسوتشي.

بلغ التنسيق الروسي الإسرائيلي حد الاتهام من قبل طهران عشية الضربات التي تعرضت لها المليشيات الإيرانية في الجنوب السوري عام ٢٠١٩ ، إذ وصف "حشمت فلاحت"، رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، موسكو بالمتواطئة مع إسرائيل بتعطيلها منظومة S300 أثناء ضربات سلاح الجو الإسرائيلي. كما تشكل معادلة الحكم وشكل الدولة نقطة مفصلية في تباين العلاقة الروسية الإيرانية، إذ تسعى موسكو لتقوية النظام ومؤسساته فيما تنحو إيران لتقوية مليشياتها على حساب النظام ومؤسساته، على غرار الجارين العراقي واللبناني؛ كوسيلة لضمان نفوذها مستقبلاً في سوريا، كذلك تفترق الدولتان في سعي كلٍّ منهما لحصد مغانم تدخلهما سواء باتفاقيات حالية أو مستقبلية خلال مرحلة إعادة الإعمار، التي تنظر لها طهران كمدخل لبقاء طويل الأمد في سوريا مع ما توفره لها من تعويضات مالية بعقود اقتصادية والتفاف على العقوبات الأمريكية.

يبقى تقاسم مناطق النفوذ في الجغرافية السورية عنصراً سائلاً يتراءى أحياناً ويختفي في معظم الأحيان، حيث تتنافس الدولتان على التحكم بمصير المدن والمنافذ الحدودية، وبلغ الصدام أوجه مع الفرقة الرابعة (المسيَّرة إيرانياً) مع الفرقة الخامسة (المسيَّرة روسياً) في منطقة الغاب بريف حماه عام ٢٠١٩ ، كما ظهر تنافس الطرفين في مسعى روسيا للسيطرة على مدينة البو كمال على الحدود العراقية السورية؛ لإغلاق بوابة التمدد الإيراني البري في سوريا بعد إحكام نفوذها بالسيطرة على المطارات والواجهة البحرية السورية.  مع الفشل الروسي في البو كمال وقبله على امتداد الشريط الحدودي السوري اللبناني، تدرك موسكو أهمية منع إيران من مد نفوذها على المناطق الحدودية لا سيَّما القريبة من إسرائيل، وهو ما حملته الأحداث الأخيرة في مدينة درعا، إذ تأمل طهران بالتموضع على مقربة من الحدود الإسرائيلية والأردنية؛ لاختراق الثانية وإتمام الطوق حول الأولى، وبالقرب من القواعد الأمريكية الموجودة في الأردن حالياً أو المأمول تأسيسها ضمن الخطة الأمريكية لإعادة تموضع قواتها في المنطقة.

لم تسمح موسكو لإيران بهذا التمدد في ضوء التفاهمات الروسية الأردنية، أو التفاهمات الروسية الإسرائيلية، مع رغبة موسكو بتوجيه رسائل لتل أبيب للتعبير عن الامتعاض الروسي تجاه تل أبيب مع بقاء الالتزام الروسي بأمن إسرائيل، وهو ما عبَّر عنه نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، خلال حوار أجراه على قناة سي إن إن عام ٢٠١٩ بقوله: "الإسرائيليون يعلمون ذلك، واشنطن تعلم ذلك، الإيرانيون أنفسهم يعلمون ذلك، حتى الأتراك والسوريون يعلمون ذلك؛ أمن إسرائيل هو أولوية لروسيا" ، كما أجاب السيد ريابكوف على السؤال الذي يؤرق المهتمين بطبيعة العلاقة الروسية الإيرانية بقوله: "روسيا ليست حليفَ إيران في سوريا " وهو ما سبق أن صرَّح به وزير شؤون المهاجرين الإسرائيلي، يوآف غالانت، بالقول " المرحلة التي كان يُنظر فيها إلى روسيا وإيران وحزب الله كحلفاء قد انتهت، وبات إخراج إيران من سوريا هدفاً مشتركاً لروسيا وإسرائيل " وهو ما تخوَّف منه النائب الإيراني، بهروز بنيادي، بقوله: " ليس بعيداً أن يُضحي الأسد وبوتين بنا من أجل مصالحهم " إلا أنَّ التضحية بإيران وإخراجها من سوريا أمرٌ بالغ التعقيد والصعوبة؛ نتيجة عوامل لا سبيل لسردها الآن.

تقع العلاقة الروسية الإيرانية في سوريا ضمن دائرة التعاون بالضرورة، أو ما يسمَّى بالتنافس والندية (التعاون) ضمن حاجة كل طرف للآخر في مرحلة من مراحل التدخل والصراع، ليبقى السؤال مفتوحاً حول مستقبل هذه العلاقة المتأرجحة بين التعاون والتنافس، فهل يتم التفاهم حول الخلافات الموجودة بين الجانبين على ضوء الرغبة الروسية للإمساك بالورقة الإيرانية، أم ستنزلق العلاقة إلى النزاع على ضوء توقف المعارك في سوريا وانتفاء الحاجة الروسية للشريك الإيراني المزعج إقليمياً ودولياً، لا سيَّما مع انتفاء المصالح المشتركة للدولتين في سوريا باستمرارية الأسد!