رأي

غمامة طالبان في سماء طهران

الخميس, 26 أغسطس - 2021
تياران متلاطمان في طهران فيما يخص أفغانستان
تياران متلاطمان في طهران فيما يخص أفغانستان

الطريق- عمار جلو


يتكاثف الضباب في سماء كابل، ممَّا يحجب الرؤية عن مستقبل هذا البلد ويضاعف المخاوف لدى دول الجوار الأفغاني، وفي مقدمتهم إيران التي تلاقت مصالحها يوماً مع الجانب الأمريكي بإسقاط طالبان، ثمَّ تلاقت مصالحها مع طالبان في إخراج القوات الأمريكية من أفغانستان.

دخلت إيران على خط الأزمة الأفغانية، قبل إعلان الجانب الأمريكي عن انسحاب قواته من هذا البلد، فقد دعمت الحكومة الأفغانية في مواجهة طالبان وعملت على مد نفوذها في الساحة الأفغانية، معتمدةً في ذلك على الولاءات العرقية (الطاجيك) والمذهبية (الهزارة الاثني عشرية) في ساحةٍ تعلي الولاءات القبلية والمذهبية على الولاءات الوطنية، ممَّا أسهم بتشكيل تيارات وأحزاب تصب في الخرج الإيراني. كذلك سعت إيران لاستضافة محادثات أفغانية/ أفغانية، على وقع المحادثات الأفغانية/ الأمريكية وبعدها، وساعدها ذلك على خلق حوار إيراني/ أفغاني تسعى له طهران للحصول على تطمينات تبدد مخاوفها، وهو ما تم بالفعل على لسان ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حركة طالبان؛ بتصريحه لوكالة (إيلنا) الإيرانية بالقول :"إنَّ الحرب الأهلية وقلة الخبرة منعتا الحركة من إقامة علاقات جيدة مع جيرانها خلال فترة حكمها الأولى لأفغانستان" في اعتذار ضمني عن هجوم الحركة على القنصلية الإيرانية في مزار شريف وقتل طاقمها في العام ١٩٩٨ .

لا يمكن لتصريح أو أكثر أن يبدد غمامة المخاوف الإيرانية الكثيفة في حديقتها الخلفية؛ بدءاً من تأمين الحدود بين الدولتين الجارتين، إلى عملية مكافحة المخدرات التي تنتج أفغانستان ٩٠٪؜ من إنتاجها العالمي والتي تحتاج فيها الأراضي الإيرانية لوصولها إلى الأسواق العالمية، كذلك المخاوف النابعة من عودة داعشية أو قاعدية محتملة على الأراضي الأفغانية بالقرب من إيران، وصولاً إلى الأزمة المائية التي تعانيها إيران ومخاوف عدم تنفيذ الاتفاقيات المعقودة بين الحكومتين سابقاً، حيث تبلور طالبان شعار النفط في مقابل المياه مع إدراكها لحاجة إيران للمياه، كذلك أزمة اللاجئين وما تمثله من هواجس أمنية واقتصادية لطهران المأزومة اقتصادياً، بالإضافة إلى المخاوف الأمنية والجيوسياسية النابعة من الوصول التركي والباكستاني إلى حدودها الشرقية، وهي مخاوف جِديَّة بعد الدخول التركي إلى قطر والعراق وإقليم قره باغ وغرب بحر قزوين؛ لذا يمثل الدخول التركي إلى أفغانستان من بوابة حماية مطار كابول إطباقاً تركياً على الجغرافية الإيرانية، وهو أحد فروع الهاجس الإيراني الأكبر والمتمثل بالخلاف الأيدولوجي بين حركة طالبان السنية والنظام الإيراني الشيعي الاثني عشري، لذا جاء تصريح ذبيح الله مجاهد في حوار له مع وكالة تسنيم الإيرانية لإعطاء طهران تطمينات تتمناها في هذا الجانب، حيث أكَّد أنَّ الحركة: "تضمن للأخوة الشيعة أنهم لن يتعرضوا إلى التمييز " وهو تصريح من جملة التصاريح البراغماتية التي تطلقها الحركة لتطمين دول الجوار الأفغاني المتوجسة من وصولها للحكم في أفغانستان، إلا أنَّ عوائق جمة تقف في وجه تطبيق هذا التصريح، منها الانتهاك والتضييق اللَّذان تمارسهما طهران على البلوش الإيرانيين، وهم الواقفون على منصة أبناء العمومة للبشتون الذين تنتمي لهم حركة طالبان، كذلك لآلية تعامل الحركة مع الدستور الأفغاني الذي تم إقراره في ظل حكومة تابعة للاحتلال (حسب الرؤية الطالبانية) ، إذ استطاعت تيارات وقوى مرتبطة بالمصالح الإيرانية من إدراج بند في الدستور يعترف بالمذهب الشيعي الاثني عشري، إلى جانب المذهب السني، ولمذاهب يتعبد بها الشعب الأفغاني، وهو مالا يمكن لطالبان ابتلاعه لعوامل يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي والقبلي بالديني والمذهبي؛ ممَّا سيخلق فجوة لن يتمكن الطرفان من تجاوزها وبالأخص لحركة طالبان، إذ يحولها ذلك إلى حزب سياسي يتبنى مواقف متقلبة للوصول إلى مكاسب سياسية، فيما تقوم الحركة بجوهرها على أيديولوجيا فكرية ذات بُعد قبلي، في مجتمع متدين ومتعصب قبلياً؛ لذا فإنَّ أيَّ تجاوز لهذا الحال في المنظور القريب سيؤدي لتمزيق الحركة من داخلها، وهو ما سعت الحركة لتداركه على يد زعيمها الراحل أختر منصور، بعد مقتل مؤسسها الملا عمر.

تياران متلاطمان في طهران فيما يخص الساحة الأفغانية؛ يقوم أحدهما على استحضار الهواجس من الماضي وتكثيفها لتوجيه أنظار الساسة الإيرانيين لمخاطر سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، فيما ينحو تيار آخر إلى أنَّ الحركة لم تعد الحركة المتطرفة نفسها التي سيطرت على البلاد من قبل، وهو ما أشارت إليه صحيفة "كيهان" المقربة من مكتب المرشد الأعلى، حيث أشارت إلى التغيير النوعي في طبيعة حركة طالبان، غير أنَّ تلاطم التيارين خلق سياسة مزدوجة لدى طهران؛ فهي تدعم الحكومة الأفغانية (سابقاً) في تصديها لطالبان، وتدعم في الوقت ذاته حركة طالبان، مع الاحتفاظ بأدوات ردع تجاهها من خلال الأذرع العرقية والمذهبية التي امتلكتها طهران واقترحت في وقت لاحق ضمها للحكومة الأفغانية، على لسان محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، الذي اقترح ضم لواء "فاطميون" للجيش الأفغاني، إسقاطاً منه للتجربة العراقية وحشر "الحشد الشعبي" في مؤسسة الجيش العراقي، غير أنَّ الواقع الأفغاني مغاير تماماً للواقعين العراقي والسوري، وهو ما تدركه طهران؛ لذا فهي ترجو الوصول للحالة اللبنانية بإدخال القوى والشخصيات المرتبطة بها في الجسم الحكومي، لإزاحة الهموم عن قلبها، وهو جوهر الطرح الذي قدمه محمد جواد ظريف باقتراح حكومة إسلامية توافقية (تشاركية).