رأي

ولاية الفقيه وتعزيز حالة الطلاق مع الشعب الإيراني

الأربعاء, 21 يوليو - 2021
أضاع أوباما فرصة دعم الحركة الخضراء
أضاع أوباما فرصة دعم الحركة الخضراء

الطريق- عمار جلو

 

يربط الكثير من المحللين بين تنصيب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، ومسألة خلافة المرشد، دون التطرق لنظام المرشد والنظام الإيراني المتهالك المُسارِع في تشديد قبضة الولي الفقيه على مفاصل الدولة، وهذا ما شهدته السنوات الماضية بإغلاق نفق الترشح للبرلمان بواسطة ماسورة صيانة النظام ممَّا أدى لسيطرة المحافظين الثوريين على المجلس. 

وتم تكرار العملية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي توّج بموجبها إبراهيم رئيسي على سدة السلطة التنفيذية، تلاها تعيين نائبه في السلطة القضائية رئيساً لها، وبذلك وضعت السلطات الثلاث للدولة في جعبة الولي الفقيه بإسنادها لشخصيات يقطر من سجلاتها الدم الإيراني، وهي النقطة الفارقة من تاريخ الجمهورية الإسلامية، إذ تم بموجبها وضع الحكومة في مواجهة الشعب لتتأكد حالة الطلاق الرجعي بين الشعب وحكومته، وتنتقل لحالة الطلاق البائن، وهو ما تُشير إليه المشاهد السلبية والإيجابية المرافقة للعملية الانتخابية؛ فأعلى نسبة ذُكِرت من قبل مراكز الاستطلاع (النادرة في المشهد الإيراني) لمشاركة الناخبين في الانتخابات الرئاسية لم تتجاوز ٣٧في المئة ، فيما تراوحت النسبة بين التصريحات الحكومية والمعارضة بين ٤٨في المئة (التصريح الحكومي) وما دون ٢٠في المئة (تصريحات المعارضة) وكلتاهما نسبتان متدنيتان.

ولكن العامل البارز في هذه الانتخابات تمثل في الأصوات الباطلة التي قُدّرت بـ ١٢في المئة واحتلالها المركزَ الأول في بعض مناطق التصويت (منطقة كَرَج مثلاً) بفارق كبير بالأصوات بينها وبين المركز الثاني، ممَّا يعطي الانطباع لحالة من المواءمة مارسها الناخب الإيراني للجمع بين التصريحات الحكومية المكفّرة والمجرّمة للممتنعين عن التصويت، وبين الحملة التي أطلقتها المعارضة الإيرانية تحت شعار "صوتي لإسقاط النظام"، يضاف إلى ذلك ما ذكره مركز كَمان لاستطلاعات الرأي أنَّ نسبة ٢٧في المئة من الناخبين أبدوا رغبتهم بالتصويت لرضا شاه، نجل الشاه محمد رضا بهلوي، الذي سقط عن عرش الطاووس نتيجة الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ التي تتشابه إرهاصاتها مع الظروف الحالية لإيران، فقد سبقت الثورة المذكورة أزمة اقتصادية نشأت نتيجة فشل إيران في الحصول على الأموال المأمول تحصيلها جراء رفع أسعار النفط، بموجب قرار قمة الدوحة للدولة المنتجة للنفط (أوبك) عام ١٩٧٦ التي انهارت بسبب القرار السعودي بضرب سعر النفط الإيراني، عبر زيادة إنتاجها لإغراق السوق وتخفيض السعر ممَّا أدى لحالة وصفها رئيس وزراء إيران، أمير عباس هويدا، حسب يوميات وزير البلاط أسد الله علم، بقوله: " أشعر بجو من عدم الارتياح في البلاد" وهو الجو الذي خلفته العقوبات الأمريكية القصوى في الوقت الراهن. 

وقد اتخذت حكومة الشاه حينها مجموعة من القرارات التقشفية لمعالجة الأزمة كان لإحداها تأثيره في تأليب الملالي على الشاه، إذ تم قطع التمويل المقدم من الحكومة لرجال الدين في قم، يتماهى هذا القرار مع قرارات مجلس صيانة الدستور التي ضيّقت على الراغبين بالترشح للرئاسة والبرلمان فرصَ القبول كمرشحين دون اعتبار للوزن والتأثير الذي يمتلكه هؤلاء، أمثال علي لاريجاني المنحدرة أصوله من أسرة ضاربة الجذور في المجتمع والدولة الإيرانية، والذي فسّر استبعاده على خلفية حياديته من أحداث الحركة الخضراء عام ٢٠٠٩ وعدم إبداء أي تأييد للقمع الذي تعرضت له على يد التيار المحافظ الذي ينتمي له لاريجاني؛ ممَّا يُعيدنا لافتتاحية المقال بالرغبة لتشكيل حكومة في مواجهة الشعب في تماهي أيضاً مع آخر خطوة قام بها الشاه للحفاظ على عرشه؛ بتعيينه للجنرال غلام رضا أزهري رئيساً لحكومة بدت عسكرية وكأنها إعلان للأحكام العرفية، ممَّا يبشرنا بالاقتراب من النتيجة التي آل إليها الشاه، وهو ما عبرت عنه السيدة مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بقولها: " إنَّ نظام الملالي في مأزق، والشعب الإيراني يقترب من النصر وسيحرر إيران" .

لعبت المتغيرات الإقليمية والدولية دورها في بناء توجه أمريكي يسعى للتخلص من الشاه سابقاً، إذ طرحت مبادرةُ السلام المصرية واقتحامُ الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في سبعينيات القرن الماضي، وقائعَ جديدة على المنطقة أصبح بموجبها نظام الشاه عاجزاً عن القيام بالدور المنوط به، كشرطي المنطقة، والوقوف في وجه الخطر السوفيتي الجديد؛ ممَّا حدا بالجانب الأمريكي لفتح قنوات تواصل مع الخميني برعاية فرنسية بدايةً تبعتها رسائل سرية بين الطرفين، عرض الخميني بإحداها على الجانب الأمريكي صفقة تنص على " أنَّ القادة العسكريين الإيرانيين يستمعون للأمريكان والشعب الإيراني يتبع أوامري، لذا بإمكان الرئيس كارتر استخدام نفوذه على الجيش كي يتغاضى عن دخولي إيران ويمهد الطريق لي للاستيلاء على طهران" وهو ما كانت تقوم به الولايات المتحدة قبل الرسالة المذكورة عن طريق الجنرال روبرت هويزر، نائب قائد حلف الناتو في أوربا، الذي أقنع كبار الجنرالات وقادة الجيش الإيراني بالحياد ممَّا ترك حكومة "شهبور بختيار" صاحبة الصلاحيات الشاهية في مهب الريح الخمينية التي وإن أطلقت مبدأها القائل "لا شرقية ولا غربية" بقيت حاجزاً منيعاً في وجه التمدد السوفييتي الراغب بالوصول إلى مياه الخليج العربي، إلا أنَّ سقوط الاتحاد السوفيتي غيَّر الكثير من الموازين والأدوار على الساحتين الإقليمية والدولية. ولمواكبة هذا التغيُّر سعت حكومة طهران لبناء تحالفات وشراكات تجعلها تحت مظلة الحماية ضدَّ أي تغيير خارجي، إضافة للأوراق التي جمعتها من بناء خلايا وأذرع تخترق فيها دول المنطقة، وتوجه سياساتها ضمن رغبة الحفاظ على دور الشرطي للمنطقة الذي لعبه الشاه، إلّا أنَّ ذلك لم يحصّنه من غليان الشارع الإيراني كما لم يحصّنه من تحول الموقف الأمريكي نتيجة التحولات الجيوسياسية خاصةً مع تصدّره للمواقف الداعية لرفع أسعار البترول باستمرار؛ ممَّا جعله في خانة الأعداء لدى الشركات الأمريكية والغربية عموماً، وهي الحماقة نفسها التي ارتكبها الملالي في طهران؛ بفتح السوق الإيرانية على مصراعيها للاستثمارات الصينية (الخصم الاقتصادي لأمريكا) بموجب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة حيث يُفترض بموجبها سيطرة الصين على الاستثمارات في إيران ومنافستها للشركات الأمريكية خصوصاً والغربية عموماً، فيما لو وُقِّع الاتفاق النووي وفتحت هذه السوق للاستثمار؛ وهو ما اعتبره الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، أحد أسباب انسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة، وجاء تعبيره الصريح عن ذلك رغم فجاجته: " نحن نرفع العقوبات والشركات الأوربية هي التي تستفيد"

أضاع الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، فرصة دعم الحركة الخضراء عام ٢٠٠٩ في جريه خلف سراب تغيير السلوك الإيراني جراء الاتفاق النووي والانفتاح على دول العالم، وهو ما لم يحدث، ولن تكرر الإدارة الحالية هذا الخطأ وقد تمد يدها إليه قبل مخاض الشارع الإيراني في ضوء ميثاق البنود العشرة التي أعلنتها السيدة رجوي، في المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية هذا العام، والذي حمل عنوان (إيران حرة). هذا الميثاق هو ما تحتاجه دول المنطقة، إضافة للشعب الإيراني، من إيران الدولة بعد زوال إيران "الثورة".