رأي

عن بقاء داعش وتمدده

الأحد, 4 يوليو - 2021

الطريق -عمار جلو


" باقية وتتمدد " هذه العبارة الأكثر ترديداً على ألسنة أعضاء التنظيم الإرهابي "داعش" قبل انهيار "خلافته"، وهي مضمون التصريحات الدبلوماسية الغربية بعد انهيار الخلافة "المزعومة" في معرض التحذير من عودة التنظيم.

كما حضرت العبارة المذكورة على طاولة المجتمعين في روما بتاريخ ٢٨ حزيران المنصرم، في تأكيد المجتمعين على ضرورة محاربة التنظيم والأخذ بالمقترح الإيطالي لوراثة فرنسا كتحالف في محاربة التنظيم في أفريقيا بعد فشل عملية برخان الفرنسية.

فما هي أسباب هذا الفشل الغربي في محاربة داعش وأمثالها، رغم الضربات القاصمة التي وُجّهت لها ؟

فشل البعثان العراقي والسوري بإزالة حدود سايكس بيكو رغم أنَّ الوحدة كانت أولى أهداف هذا الحزب، فيما نجح تنظيم إرهابي بتحطيم هذه الحدود مُعلناً ولادة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وبسط سيطرته على مساحة تُعادل ثلث مساحة البلدين بعد أن نجح في تبنِّي الهوية السُّنِّية شعاراً له، في ظل فشل حكومتي البلدين المذكورين في بناء هوية وطنية لكلا الشعبين، اللذين تحولا لشعوب وقبائل كما ظهر في عراق ما بعد صدام، وسوريا ما بعد الثورة، ممَّا شكَّل حافزاً لدى البعض لتبني الطرح الداعشي في ظل السياسة الطائفية في العراق وسوريا الدائرة أصلاً في فلك الولي الفقيه الإيراني والذي سعى في معرض السيطرة على العراق والحفاظ على النظام القابض على سوريا لإطلاق ميليشياته الشيعية التي لا تختلف عن داعش في الإجرام والأيديولوجيا، ولا حتى في الهدف المعلن، فالأولى: تسعى لإقامة الحكومة الإسلامية التي نظّر لها الخميني واضعاً شعار "تصدير الثورة" وسيلةً للوصول إليها، والثانية: تسعى لإعادة الخلافة الإسلامية بعد سقوطها.


وكلاهما يتغذى من وجود الآخر؛ فلولا داعش لما تمَّ تأسيس الحشد الشعبي وشرعنته في العراق، ووجود الحشد وأشباهه سيبقى الوقود اللازم لبقاء نار داعش مشتعلة، لذا فإنَّ غياب هوية وطنية جامعة ستبقي الهويات الـمادون وطنية هي الحاكمة في ظل غياب أطر للحل السياسي في سوريا، وغياب سلطة الدولة في العراق الذي تشابكت العلاقة فيه بين الدولة والتنظيمات الولائية حتى صارت الأخيرة تفرض أجندتها ضمن إطار الدولة ومصالحها كمقدمة لابتلاع الدولة، كما هو الحال في لبنان الذي أصبح رهينة لدى دولة حزب الله.

 وهنا، لا بدَّ من التنويه أنَّ هذا الصراع غير خاص بالعالم الإسلامي ودوله، فقد عانت أوربا المسيحية منه في القرن السادس عشر بدايةً مع ثورة "مانستر" الألمانية بزعامة "جون أوف لاندن" مروراً بـ"لوثر" و"كالفن" والحروب الدينية التي انتهت بمعاهدة وتسفاليا ١٦٤٨، التي كانت بذرة ولادة الدولة القومية، أمَّا عن انعدام الحل السياسي في سوريا فهو الحالة المطلوبة كجغرافية تقع في مرحلة إدارة الفوضى اللازمة لنشاط أي تنظيم إرهابي، حسب رأي أبو بكر ناجي في كتابه: إدارة التوحش.

 

انهارت الخلافة "المزعومة" تحت وطأة الضربات الموجعة التي نفذها التحالف الدولي لمحاربة داعش وقُتِل خليفتها في مرحلة لاحقة، فيما يزال التنظيم ينشط في عملياته ضمن خط تصاعدي ممَّا يوحي بفشل التحالف في تحقيق أهدافه؛ بعد أن عالج الظاهرة دون معالجة أسبابها التي يندرج ضمنها غياب حكومة حقيقية في كل من العراق وسوريا المحكومتين من عصابات تلبس إزار الدولة، في الوقت الذي لا تتورعان فيه عن استخدام الشرخ المجتمعي كأحد أسلحة الحفاظ على السلطة، بدل التصدر لعمليات التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي ومعالجة الشروخ المجتمعية للوصول إلى دولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات وينتفي ولاؤهم لغير الدولة/ الأمة، يضاف إلى هذا السبب غياب هيئة أو تيار ديني رديف لأي قوة أو تحالف يواجه هذه التنظيمات.


وفي غياب هذا التيار يلتبس الأمر لدى الكثيرين بين حرب على الإرهاب وحرب على الإسلام، يتزايد هذا اللَّبْس مع المقارنة بين سلوكيات أفراد أي تنظيم والمتماهية مع أحكام الإسلام مع سلوكيات أغلب أفراد المجتمع المتساهلة في دينها، مع جهلها فيه لدرجة لا تستطيع فيها التمييز بين سلامة العقيدة، والتي هي جوهر الدين، وبين انحرافها وهو المتأصل لدى التنظيمات "الجهادية" لا سيما في مسائل الخروج على الحاكم والتكفير وتحكيم شرع الله.

وقد حاول وزير الأوقاف المصري في سبعينيات القرن الماضي، الشيخ الراحل محمد حسين الذهب أن يضع أول لَبِنات هذا التيار من خلال كتيّبه المعنون "همسات من هدي الإسلام" الذي حاول فيه الرد على جماعة التكفير والهجرة ونقض حججها بأدلة وبراهين شرعية، متبعاً نهج الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب، قبل محاربته الأولى للخوارج حين ابتعث عبدالله بن عباس لمحاججتهم؛ فكان سبباً لعودة الكثير عن ضلالتهم، ويبدو أنَّ النتيجة المأساوية التي لاقاها الشيخ الذهبي، نتيجة خطفه وقتله على أيدي جماعة التكفير والهجرة، سدَّت الطريق الذي حاول فتحه في المؤسسة الدينية الرسمية وغير الرسمية، لتأطير جماعة من العلماء تتبنى وتتصدر لتفكيك هذه التنظيمات فكرياً، إضافة لنشر التوعية الدينية المجتمعية في مواجهة خطورة فكر التنظيمات على الفرد ودينه.

ولعلَّ من المفارقة أنَّ أكثر من فنَّد ونقض فكر الجماعات المسمَّاة بالسلفية الجهادية هم العلماء السلفيون أو ما يطلق عليهم بالسلفية العلمية أو المستكينة، والتي تتلقى الهجوم من طرف السلفيين الجهاديين ومن المجتمع والأنظمة بتهم التطرف والإرهاب.

لا يمكن معالجة ظاهرة دون التطرق لأسبابها؛ لذا فإنَّه في ظل غياب الدول المؤسِّسة والمعزِّزة لهويتها الوطنية والتي تمارس وظائف الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجاه مجتمعاتها، ودون وجود هيئة أو تيار ديني يتصدر مهمة الدفاع عن الدين من خلال محاربة التيارات التكفيرية بالحجة والبرهان؛ فستبقى داعش "باقية وتتمدد".