محمد طاهر أوغلو
لا شك أن العام 2022 كان صعباً على السوريين في تركيا الذين يقاومون قوانين صارمة تقيد تنقلاتهم وأماكن إقامتهم، فضلاً عن الخطاب العنصري الذي يستهدفهم من حين لآخر، لكن يبدو أن شيئاً من هذا الخطاب قد تراجعت حدته في الآونة الأخيرة.
من خلال متابعات يومية للمواقف أو التصريحات التي تصدر عادة من هنا وهناك، نجد أن التركيز على قضية السوريين والأجانب لم يغب تماماً عن الساحة السياسية لكنه قلّ مقارنة مع مطلع ومنتصف العام الجاري، حينما تصاعدت حدة الخطاب العنصري بشكل كبير لتتحول إلى حوادث اعتداء تكررت أكثر من مرة.
ناهيك بالطبع عن جملة من "الافتراءات" دأب على نشرها زعيم حزب النصر المعارض، أوميت أوزداغ، وهو بالتحديد خفف من كم وكيف هجومه على السوريين والأجانب عموماً لا سيما العرب منهم؛ في شهري أيلول وتشرين الأول الماضيين، وإن كان ذلك بصورة محدودة للغاية.
أما باقي الأحزاب المعارضة الكبرى فإن تراجع حدة خطابها العنصري يبدو واضحاً بصورة أكبر مقارنة مع الشهور القليلة الماضية وكذلك في العامين الفائتين. فما أسباب ذلك؟
بالدرجة الأولى لا يمكن التعويل كثيراً كما سبق على حجم هذا التراجع إلا أنه لافت للنظر، حيث نذكر الحوادث التي وصلت أوجها في تموز وأغسطس من هذا العام على سبيل المثال، لكن يبدو أن التحضير للانتخابات المقبلة يحتل الجزء الأهم من هذا الطارئ ويشمل ذلك حزب النصر كذلك.
التحالفات والصراع بين المعارضة
تستعد الأحزاب المعارضة لانتخابات مهمة في 2023 ستحدد ملامح مستقبل السياسة التركية لخمس سنوات على الأقل، وبما أن تلك الأحزاب ليست جميعها على قلب رجل واحد، فإن المحادثات لتشكيل تحالف قوي تجري على قدم وساق.
بينما يلتئم شمل 6 أحزاب "على مضض" لتشكل طاولة سداسية تغطي قرابة 36% من أصوات الناخبين، تسعى أحزاب أخرى للبحث عن دائرة تحالف فيما بينها، وإن كان حزبا الشعب الجمهوري والجيد القويان يقودان تلك الطاولة السداسية، فإن حزب الشعوب الديمقراطي المحسوب على الأكراد يرى نفسه منبوذاً عنها، مما يدفعه هو الآخر لتشكيل تحالف رديف.
أما الأحزاب الأخرى "الصغيرة" فهي كذلك تنشد الشيء ذاته، وإن كانت أصواتها بالمجمل لا تشكل معيار ربح وخسارة على الأرجح، مثل حزبي النصر بقيادة أوزداغ، وحزب "الوطن" بقيادة الجمهوري السابق محرم إنجة الذي ترشح للانتخابات الرئاسية عن حزبه القديم الشعب الجمهوري في 2018 واكتسب شعبية قوية.
وسط هذا الحراك المكوكي بين مختلف أحزاب المعارضة، يبرز التراشق المتبادل بين هذا وذاك حيث يسعى كل حزب تحصيل ما أمكنه من أصوات من الحزب الآخر.
هنا يبرز اسم أوزداغ الذي لا يبدو راضياً عن الحزب الحاكم وحليفه "الحركة القومية"، ولا كذلك عن أحزاب المعارضة الكبرى مثل الشعب الجمهوري والجيد، وربما هذا هو الدافع الأبرز لانشغاله في تدعيم حزبه ورصف صفوفه داخلياً، وهو يحاول بوضوح مغازلة أنصار الحركة القومية والشعب الجمهوري والجيد على حد سواء.
ما نريد قوله هنا، إن الحشد والتراشق بين أحزاب المعارضة على طاولة التحالفات المختلفة، قد ساهم بالفعل في تشتيت تركيزها عن ملف السوريين والأجانب عموماً، ولو كان بصورة محدودة، حيث إن هذا الملف يعتبر أحد أوراقها في نهاية المطاف ضد الحزب الحاكم.
قانون "مواقع التواصل الاجتماعي"
في منتصف تشرين الأول الفائت أقر البرلمان التركي بالأغلبية جملة تعديلات على قانون يعرف باسم "مواقع التواصل الاجتماعي"، وشمل هذه المرة تعديلات في قانون الإعلام وتنظيم عمل وسائل التواصل، كما فرض عقوبة على "التضليل الإعلامي" ونشر أخبار كاذبة بالسجن من عام إلى 3 أعوام.
لاقى القانون انتقادات حادة من المعارضة حول فرض رقابة على النشر في وسائل التواصل، لكن في الوقت ذاته كان هاجساً وربما "رادعاً" كما يرى البعض بالنسبة لأشخاص دأبوا على نشر تغريدات تحريضية و"افتراءات" خالية من المصداقية وأدنى معايير التحقق وحتى الواقعية.
ربما يكون لهذا القانون دور في الحقيقة لردع أوزداغ على سبيل المثال ومن على منواله، وهو ما كان يطالب به مجمل السوريين من حيث تفعيل أداة قانونية لمحاسبة من يرشق الاتهامات والتضليل التحريضي المتعمد من دون دليل.
ويبدو أن أوزداغ بات أشد دقة في طريقة نشره للمعلومات على وجه الخصوص، بغض النظر عن آرائه التي لن تتغير، وكمثال على ذلك، نستشهد بتغريدة
له في 5 تشرين الثاني الجاري، يسأل فيها الجمهور: "من فضلكم شاركوا آراءكم. هل تصدقون الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية حول عدد اللاجئين؟"، وأرفقها بتغريدة لتصريح عن نائب وزير الداخلية التركي يقول فيها إن عدد السوريين في تركيا هو 3 ملايين و 611 ألفاً و 143 شخصاً.
لا يستخدم أوزداغ هذا النوع من الطرح اللطيف الخالي من تحمل أي مسؤولية عن نشر معلومة مغلوطة، كما كان يدعي في السابق أن عدد السوريين في تركيا يصل إلى 7 أو 8 ملايين وربما أكثر، لكنه الآن يرمي الكرة في ملعب الجمهور من دون أن يتحمل أي مسؤولية.
هذا مثال بسيط على نوع التراجع الذي طرأ على كيفية طرح الخطاب العنصري ضد السوريين والأجانب عموماً، وكلما كان لهذا القانون حضوره وقوته وتطبيقه فإن الخطاب العنصري سيتراجع بشكل مؤكد.
سياسة القيود
في المرتبة الثالثة التي قد تكون وراء التراجع الطفيف لخطاب العنصرية عند المعارضة، هي سياسة القيود التي تفرضها الداخلية التركية على إقامة الأجانب عموماً وليس السوريين فقط، إلى جانب سياسات أخرى مثل توحيد اللافتات بالأحرف اللاتينية التي تمثل أبجدية اللغة التركية منذ مطلع تأسيس الجمهورية.
ما زلت مقتنعاً أن مثل تلك القيود تعطي أحقية للمعارضة في خطابها ضد الأجانب والمهاجرين وتشجعهم في الغالب على فعل المزيد، لكن من جانب آخر يبدو أنها لامست شعور بعض الشرائح من الشعب ذاته وليس الأحزاب بعينها.
ومع ذلك فإن هذه القيود حتى ولو تسببت بتراجع أو إنهاء الخطاب العنصري، فإن سيئاتها أكثر من حسناتها، فهي تفرض تضييقاً غير مسبوق على عموم الأجانب والسوريين بشكل خاص، لا سيما السوريين فهم في كثير من الحالات إن خرج أحدهم من سكنه الحالي فلن يتمكن من الاستئجار بسعر مرتفع في حي مفتوح للأجانب.
ختاماً، من المتوقع أن تهدأ قليلاً حدة الخطاب العنصري الموجه ضد السوريين عند المعارضة، إلى حين إعلان مرشح موحد ضد الرئيس الحالي أردوغان، وهنا يكون موعد الانتخابات قد اقترب بشكل أكبر، مما يعني أن ملف السوريين حينها سيعود بشكل ربما يكون غير مسبوق على الإطلاق.
المصدر: تلفزيون سوريا