فراس رضوان أوغلو
من الواضح التغيير والصعود بآن واحد في مستوى التصريحات السياسية لقادة الدبلوماسية التركية من السياسيين الأتراك في الملف السوري، والذي يُعد الملف الأقوى من بين باقي الملفات التي يتم تناولها على الصعيد الداخلي استعداداً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أغلو وتصريحه الأخير في البرلمان التركي أمام لجنة التخطيط والميزانية عن إمكانية رفع التواصل بين أنقرة ودمشق إلى المستوى الدبلوماسي (في حال تقييمها ووجود بيئة مناسبة لهذا الأمر) بعد أن كانت الاتصالات والتواصل عبر أجهزة الاستخبارات التركية ونظيراتها لدى النظام السوري ما هي إلا دليل على استمرارية النهج السياسي الجديد لتركيا في الملف السوري، ولو عدنا قليلاً إلى الوراء فسنجد تصريحات لنفس الوزير يدعو فيها لإيجاد تفاهم بين النظام والمعارضة وفق القرار 2254 لأنه لا حل في سوريا إلا الحل السياسي، لكن في هذه المرة تكلم رئيس الدبلوماسية التركية عن أهداف استراتيجية أربعة تخص تركيا وهي، الحفاظ على وحدة التراب السوري، وثانيها إزالة كل أنواع الإرهاب من المناطق المتاخمة للحدود التركية، ويمكن عد هذين البندين بمطالب قديمة متجددة وأما عن الهدفين المتبقين الثالث والرابع وهما الاستقرار الدائم على أسس الحل السياسي، والأخير وهو العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم فكلاهما يمكن عدهما مستجدين ولكن وفق الرؤية الجديدة للملف السوري، مع التحفظ على مقدار واقعية تحقيق كل هذه الشروط مع كل المتغيرات الدولية والإقليمية القائمة في الآونة الأخيرة.
إذا ربطنا هذه التصريحات بما يجري على الصعيد الإقليمي والدولي فسنجد أن تركيا تريد هذا الحل توافقاً مع روسيا على المستوى الاستراتيجي بين الطرفين، فالتطورات المستجدة في الحرب الروسية الأوكرانية ترخي بظلالها على الملف السوري بكل تأكيد، ففي الأمس القريب صرح بوتن بأن تركيا ممكن أن تكون مركزاً لتجمع الغاز وبيعه، ولهذا الأمر تداعيات كبيرة لكن بشكل إيجابي على الاقتصاد التركي الذي يمر بأوقات ليس جيدة، وعليه فإن التقارب الروسي التركي يزداد من يوم لآخر على حساب التباعد النسبي بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية، التي أرسلت قبل فترة وجيزة وفداً رفيع المستوى من موظفي الخزانة الأميركية لمناقشة العقوبات الغربية على روسيا ومدى ومقدار تطبيق تركيا لهذه العقوبات، رغم أن هذه الأخيرة صرحت في عدة مناسبات بأنها لن تطبق تلك العقوبات لكن التدفق المالي الكبير من قبل الشركات الروسية نحو تركيا بدأ يزعج واشنطن، وخاصة أن تركيا حليف عسكري للولايات المتحدة الأميركية وأيضا للناتو.
أما على الصعيد الإقليمي وتحديداً العربي منه فبهذه التصريحات المتناسقة والمتتالية فيما بينها وكأن تركيا تحاول أن تمسك العصا من المنتصف، كي توازن علاقاتها بين الدول العربية الداعمة للنظام السوري وبين تلك الداعمة للمعارضة السورية، وخاصة أن تركيا تربطها علاقات قوية وجيدة مع كلا الطرفين وفق تشابك للمصالح وبشكل معقد مع كلا الطرفين، فالجزائر مثلا والتي تدعم سياسياً النظام في سوريا لديها تشابك مصالح مع تركيا في ليبيا التي تدعم بدورها المعارضة السورية، إضافة للعلاقات القوية مع دول الخليج العربية التي تتناقض نوعاً ما في رؤيتها السياسية للملف السوري، وهذا يدل على أن أنقرة تتفهم المواقف المتناقضة للعواصم العربية وفق رؤية براغماتية حقيقية تراعي فيها مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية بشكل متوازن قدر الإمكان.
ويبقى السؤال المهم هو هل التفاهم بين النظام والمعارضة في سوريا حسب ما تريده أنقرة أمرٌ ممكنٌ في ظل وجود عقبات كبيرة، وحقيقة رغم التغير الحاصل بالموقف التركي في الملف السوري، فإيران التي لها دور فاعل وكبير في الأرض السورية لديها خلافات كبيرة في ملفات عدة مع تركيا، فهل من الممكن أن تتجاوب معها في هذا الطرح، وهناك العقبة الثانية والأصعب لتركيا وهي الولايات المتحدة الأميركية التي تدعم قسد المصنفة لدى تركيا على لائحة الإرهاب، إضافة لما تقوم به قسد من اتفاقات سياسية مع النظام في دمشق ضد تركيا وفصائل المعارضة المدعومة من قبلها، فكيف لهذا التفاهم الذي تريده تركيا أن يتحقق، وأخيراً هل يُفهم من هذه التصريحات بأن تركيا قد تخلت تماماً عن عمليتها العسكرية التي كانت تنوي القيام بها في الشمال السوري والتي تعارضها كلٌّ من روسيا والنظام السوري والولايات المتحدة الأميركية معتمدةً على الفكرة القائلة ضع الكرة في ملعب الآخرين.
المصدر: تلفزيون سوريا