صحافة

الإيرانيون ينتظرون المجتمع الدولي إذاً سيطول الانتظار فلقد جرّبه غيرهم

الثلاثاء, 8 نوفمبر - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

شفان إبراهيم 


تُعبّرُ أغلب المقالات والتقارير المنشورة عن التظاهرات والاحتجاجات في إيران في مختلف وسائل النشر، عن التعاطف والتعبير النفسي عما يجول في خلجات كاتب تلك المواد على اختلاف أجناسها، خاصة الذين تفاءلوا وتأمّلوا أن الربيع العربي سيحمل الشعوب للجنة، التي لطالما حلمنا بها. وإن كان عصب غالبية تلك المواد المنشورة عن الإيرانيات والإيرانيين تدور في فلك التحليل السياسي والاجتماعي لصراع الهويّة والمستقبل. لكن بالمقابل فإن المنتفضين في إيران لا يملكون الوقت الكافي للمزيد من الاكتشاف أو قراءة ما يلزمهم وما لديهم. هم فقط بحاجة لمن يمدهم بكلمة سر الانتصار، وتسخير عناصر القوة لديهم، لمعرفة لماذا فشلت كل الثورات السابقة لديهم، فالذاكرة الإيرانية الشعبية لا تزال تستحضر نماذج القضاء على القيادات في العام 2009، لإنهاء الثورة الخضراء، وسحق الاحتجاجات لأجل الوضع الاقتصادي. 

لكن لنعترف إننا جميعاً لا نملك أيَّ شيء لنمدّ به أبناء الثورات المقموعة، لنقوله للمتظاهرين في إيران. فما زالت شعوب الربيع العربي تئنّ تحت وطأة الثورات المضادة وتكثيف المحاولات للعودة إلى المربعات الأولى، ومن مختلف الجهات، في سورية ومصر وليبيا واليمن ولبنان. فالإعجاب بحماسة وشجاعة النساء الإيرانيات لن يفكّ عقدة الصلابة المركزية في تعامل السلطات الإيرانية مع المتظاهرين، خاصة أن تلبية مطالب المتظاهرين تعني التراجع عن كتلة صُلبة لهويّة السلطة الإيرانية والتي استخدمتها طيلة عقود في لجم والتحكم بالقواعد الاجتماعية، والتنازل عن تلك الثوابت، يعني ضربة في بُنية النظام الإيراني نفسه، وهو ما لن يتم أبداً. 

في 2009 خرج الإيرانيون في ربيع مُبكر، سبق قطار الربيع العربي في الدول العربية، وكانت النتيجة أن سفك الدماء شكّل عاملاً قوياً لإعادة المتظاهرين إلى بيوتهم مقموعين، ونجحت حينها سياسية الدم مقابل التظاهرات في إعلاء شأن كلمة النظام الحاكم في طهران، ولعلها السياسات ذاتها التي طُبقت في أغلب دول الربيع العربي، مع فرق أن الشعوب في بعض تلك الدول لا تزال تتطلع للخلاص. وإذا كانت المجتمعات المحلية، والنُّخب الفكرية تحب وتفكر في كيفية تفادي تكرار الوقائع التي عاشوها في بلادهم بعد عام 2011، ألّا تتكرر في إيران أيضاً، رُبما توجب على الجميع التفكير بسبب ظهور معجم المفردات نفسها من مؤامرة خارجية، تدخل السفارات، المتظاهرون هم عملاء لأمريكا وإسرائيل، تمويل خارجي...إلخ حيث يعيش الإيرانيون الخطاب نفسه الذي استُخدم لخنق التظاهرات والحراك الشعبي في كل دول المشرق، وللأسف كان للخطاب مكانة ودور في حصار المتظاهرين والضغط عليهم. ويبدوا أن ما عاشته الشعوب في تلك الدول، بدأت خيوطه الأولى بالظهور.. تخوين، تسليح، مواجهات، ثم القمع. 

استمعَ كاتب المادة لمداخلة أكثر من قيادي في الحركة السياسية المعارضة في إيران، الغريب أنهم مؤمنون بالغرب وأمريكا وأنهما سيسرعان للنجدة! هكذا بكل بساطة، ينسى البعض من النخب السياسية الإيرانية أن الغرب غير مستعد لاحتضان أيّ حراك شعبي يؤدّي لقلب النظام في إيران، في الوقت الحالي، فصد الهجوم الروسي على أوكرانيا، والأزمات التي تفتعلها روسيا في القوقاز، وكيفية تأمين الغاز للشتاء، تكاد تجمع الأولويات الراهنة للغرب، دون نسيان أن هؤلاء أنفسهم الذين كرروا خطاب الخطوط الحمراء في أكثر من دولة، دون أن يحترموا كلمتهم أو يتدخلوا لمنع تجاوز تلك الخطوط التي رسموها هم أنفسهم في سورية ولبنان والعراق واليمن و...إلخ. الوضع الدولي اليوم أصعب بكثير من الأعوام التي خلت، فالأمريكيون مهووسون بالاتفاق النووي، والأوروبيون يهتمّون بحيوات شعوبهم وتدفئتهم أكثر من آهات وصيحات المتظاهرين في إيران، وبحساب بسيط فإن الغاز والاتفاق النووي هو بيد النظام الإيراني وليس المتظاهرين، والوقت والتعقيد الدولي حول الشرق الأوسط لا يسمح بمجازفات جديدة، رُبما يطول تحقيق نتائجها. 

من عاش التظاهرات والثورات في الدول العربية، مشاهدة أو انخراطاً، سيعي أنها تكاد تكون هي – هي نفسها في ساحات وشوارع إيران، متظاهرون شجعان عزّل لا يحملون من السلاحِ سوى انتهاء طاقة تحمل الفقر والجوع والسحق، مقابل قمع بالسلاح في مواجهتهم. رُبما -والأمر عائدٌ لهم بكل المقاييس- على الإيرانيين أن يبحثوا عن مسار يختلف عما أتبعه إخوتهم في الدول العربية، عبر عدم الاعتماد على الغرب والأمريكيين فهؤلاء لن يأتوا للنجدة أبداً، وعدم الانجرار وراء أحاديث النُّخب السياسية حول ضعف النظام الإيراني وخاصة عبارات "يعيش أسوأ أيامه، هو في أضعف أحواله، السقوط قريب، الغرب لن يتركنا...إلخ" عدا أن عسكرة تظاهراتهم سيعني اقتراب الفشل أكثر، ولا سيما أن جماعات عسكرية مسلحة ستدخل لجانب النظام الإيراني، وستتمكن من الفتكِ بالمتظاهرين. 

بالرغم من كافة الانكسارات التي مُنيت بها ثورات الربيع العربي، والتي لم تعلن هزيمتها بعد إنما تسعى لموجة جديدة، لكن لا أدبيات تصف واقع حالنا طيلة أكثر من عقدٍ من الزمن، كي نستطيع إرشاد الإيرانيين إليها، غير أن العالم كله خذل الشعوب العربية، مع ذلك لا يجوز القول للمتظاهرين في إيران عودوا إلى منازلكم ستُهزمون، وأساساً هم اتخذوا قرارهم ولن يعودوا أو يسمعوا من أحد. لكن فقط عليهم معرفة أن نظامهم الحاكم لا يزال قوياً بما فيه الكفاية، أو على أقل تقدير يستمر في التحكم بالعديد من أوراق المقايضات والتفاوض مع المجتمع الدولي، ففي فيينا يحاور ويناور مع الأمريكان أنفسهم، ويبتز الأوروبيين والروس بالغاز الإيراني البديل عن مثيله الروسي، وهل ستُلحِق أمريكا وأوروبا الضرر بمصالحهم لأجل شعوب هذه المنطقة التي كُتب عليها البؤس والشقاء دوماً، وتالياً لا سقوط قريباً للنظام الإيراني. ولو تمكن المحتجون من بناء منظومة احتجاجية جديدة تقيهم من المواجهات المباشرة، سيكون أفضل لهم من العيش في أوهام ضعف وهشاشة النظام والاستعداد الدولي لمناصرة المحتجّين. 

لا توجد كذبة أكبر من "نكتة" المجتمع الدولي المناصر لحقوق الشعوب، ما لم تدخل في حسابات مصالحها، واليوم ذلك المجتمع "التافه" هو نفسه الذي يركض وراء النظام الإيراني لمصالحه على حساب حيوات الشعوب العربية والإيرانية والكردية وغيرها. أغلب الشعوب التي تظاهرت طلباً للحياة والحرية والعدالة، راهنوا على دور غربي دولي لتحقيق أحلامهم، لكن يبدو أن الجميع لم يتلقّ الرسالة واضحة باكراً، فالسيد أوباما وحتى الإدارة الأمريكية الحالية، كلهم هضموا وشربوا خطوطهم الحمر التي رسموها منذ بداية الحدث السوري، وظنت الشعوب أنها بمواجهة أنظمتها الفاقدة لدعم المجتمعات المحلية لها، إنها قادرة على المواجهة المستمرة دون انقطاع، لكن غاب عنها أن الغرب الذي تأملت بهم خيراً، هم أساس ولُبُّ إجهاض تطلعات الشعوب. 

سقوط النظام الإيراني يعني من بين ما يعنيه فشل كامل المنظومة السياسية والعسكرية الحليفة لها في العراق ولبنان وسورية واليمن، والإتيان بأنظمة ودوائر قرار جديدة، ولن يغامر لا الأمريكان ولا الأوروبيون بالدخول في مواجهات مباشرة مع روسيا أو مخاطر وصول نُخب سياسية لسدة الحكم في تلك البلدان، يفضلون مصالح بلدهم وشعوبهم على أوامر "المجتمع الدولي". 

المصدر: أورينت نت

الوسوم :