عمر قدور
ليس بلا مغزى أن تحتفي صفحة الرئاسة على فايسبوك ليومين بمنح نجاح العطار، نائبة بشار الأسد، وسام أمية الوطني. وكان يمكن للتغطية الإعلامية لتقليدها الوسام أن تقتصر على بضع صور ينشرها إعلام الأسد، لكن الأخير أرادها مناسبة ليتحدث فيها، وليرسل من خلالها بعض الرسائل. وهو، في الثلث الأخير من كلمته، أفصح عن كون الوسام حامل رسائل أكثر مما هو تكريم للعطار التي بموجب خطابه لها من الإنجازات ما يتخطى واقعة الحصول على الوسام.
لن نذهب إلى السخرية بالقول أن أهم إنجازات العطار بالنسبة لبشار هي مؤلفاتها في مدح حنكة أبيه، ثم مؤلفاتها في مدحه على المنوال نفسه، خاصة المديح الذي ناله منها على حنكته بعد عام 2011. دور ومكانة العطار في حكم الأب والابن يتجاوز تلك المؤلفات التي لا يقرؤها أحد، وهناك الكثير مثلها لسوريين صغار لم يُسمَع بهم خارج مزايدات المدّاحين. باختصار، أهمية العطار هي في كونها امرأة سنية عُيِّنت في أعلى منصب متاح نظرياً، نائبة للرئيس، بعد بقائها مدة هي الأطول التي يقضيها وزير في وزارة الثقافة.
بالطبع يزيد من أهمية العطار أنها أخت قيادي "تاريخي" من تنظيم الإخوان المسلمين، فأهمية عصام العطار والخط الذي مثّله ضمن الإخوان تتجاوز زمن نشاطه التنظيمي. اعتدال الأخ الإسلامي لا يُحتَسب في ميزان "تسامح" الأسد الذي أكرم الأخت بالمناصب وطارد الأخ في المنفى، ليظهر حكم الأسد مبدئياً، غير انتقامي، وكأنها لم يثأر من ألوف منتسبي الإخوان بالتضييق على أسرهم وأقاربهم. لعلها الهبة الأثمن التي حصل عليها الأسد؛ امرأة متحررة قادمة من بيئة اجتماعية محافظة؛ سُنية بالمواصفات المطلوبة تماماً. ولكونها امرأة أهمية مضاعفة، إذ يمكن استثمار هذا الجانب بما يتعدى كثيراً إسناد هذا الدور لرجل.
في كلمته، أشاد بشار بالعطار التي لم تهمل واجباتها الأسرية رغم الانشغالات المترتبة عليها بحكم مناصبها! وهذا مديح غريب لأي صاحب إنجاز، لولا مجيئه في سياق وصفها كامرأة جمعت الإخلاص لما هو عائلي وللشأن العام معاً، مثلما جمعت كونها سنية وحداثية معاً. إنه، على عادة الأسد، مديح للتوفيق بين الأصالة والمعاصرة، بين الخصوصية المحلية والعلاقة مع الخارج.... إلى ما هنالك من تلفيقات إنشائية دارجة في إعلامه. إلا أن غايتها هنا ليست فحسب تمييع طرَفي التلفيق، الغاية هي التلميح "المكشوف" إلى كون العطار سنية، والقول تالياً بدلالتها أن الأسد غير طائفي. وعلى ذلك فإن طريق السلطة ممهدة أمام أمثال العطار، ممهدة تحديداً أمام بديل سني لها بحكم تقدمها في السنّ.
مع ذكر فكرة البديل يظهر الفقر المدقع للأسدية، فالعطار ورثها الابن مع بقية أركان السلطة، وخلال خمسة عقود لم ينجح الأب والابن في تجهيز امرأة سنية أخرى ترث مهمة العطار. لم نقل أن البديلة سترث موقع العطار في السلطة لأن وزارة الثقافة قد تولتها امرأة بعد العطار، ولأن منصب نائب الرئيس لا أهمية تُذكر له، ويعتمد فقط على التفويض المؤقت الممنوح من الأسد. البديل مطلوب في مرحلة قادمة لشغل المنصب التنفيذي الأول، ولو نظرياً، أي منصب رئاسة الوزراء.
ضمن استثماره الطائفي في السلطة، كان منصب رئاسة الوزراء دائماً من نصيب السُنّة، ومن نصيب الشوام أكثر من غيرهم، لكن في عهد توزير العطار لم يكن قد حان زمن استثماره بإسناده إلى امرأة. من المعلوم أيضاً أن أحد السيناريوهات الموضوعة للتسوية هو بقاء بشار، مع تقليص صلاحياته لصالح رئيس الوزراء "السني"، وفي عموم السيناريوهات الخاصة بمستقبل سوريا نال منصب رئاسة الوزراء اهتماماً يفوق مكانته الحالية باعتباره المنصب التنفيذي السني الأهم، والمرشح ليكون أقوى ضمن تقاسم طائفي علني، أو "مطوَّر" عما هو مضمر حالياً.
غياب البديل الجاهز الواضح لا يعني انعدام فرصة تنفيذ السيناريو عندما يحين وقته، ومن المتوقع في توقيت قد لا يكون بعيداً أن يسند بشار رئاسة الوزراء لامرأة سنية، بصرف النظر عمن تكون، ليثير الضجة حول كونه صاحب إنجاز حداثي بتعيين أول امرأة في المنصب، وسيكون حينها كمن يرمي قفاز التحدي في وجه معارضة بعيدة عن فعل المثل أو القبول به. فهْمُنا أنه يفعل ذلك في سياق من اللعب على الشكليات، والرمزيات الطائفية المغلَّفة حداثياً، لن يمنع نجاحه في التأكيد على المقارنة بينه وبين معارضة غير مستعدة لتولية امرأة منصباً معتبراً، هذه المرة خارج الشكليات، وكما يُفترض أن يليق بمعارضة ديموقراطية حقيقية.
في هذه الأثناء تنقل صحيفة العربي الجديد يوم أمس الجمعة، تحت عنوان "تركيا تنذر فصائل المعارضة السورية للالتزام بخطة ضبط الشمال"، عن مصدر مطلع ما دار في اجتماع أنذرت فيه أنقرة الفصائل التابعة لها بضرورة ضبط الشمال الذي تسيطر عليه، وبحسب المصدر اعتبرت أنقرة "المجلس الإسلامي السوري" مرجعية لتلك الفصائل جميعاً. جدير بالذكر أن رئيس المجلس ومفتي المعارضة الشيخ أسامة الرفاعي مشهود له بموقف معادٍ لمشاركة المرأة في الحياة العامة، وأبدى علناً رفضه لمشاريع وأفكار تتعلق بتمكين النساء بوصفها أكبر خطر يهدد المجتمع المسلم الذي يفترض أنه يمثّله.
شئنا أم أبينا، هذه هي المقارنة التي أُريد تسويقها مع منح العطار وساماً، وستسوَّق لاحقاً مع امرأة "سنية تحديداً" من المتوقع تعيينها رئيسة للوزراء؛ بين بشار الأسد وأمثال الشيخ الرفاعي من زاوية موقف كل منهما من المرأة. ثم إن حضور هذه المقارنة سيساهم في حجب حقيقة أن الأول هو صاحب المقتلة السورية، لنعود بعدها إلى لوم العالم الذي يصدّق ادعاءاته الحداثية على حساب دماء السوريين. هكذا، يكون بشار مدّعياً مكشوفاً، والعالم متواطئ على نحو مكشوف معه لخبث في العالم نفسه، فهذه فرضية مريحة أكثر من الاعتراف بأن أداء المعارضة ساعد بشار، وساعد العالم أيضاً إذا كان يبيت نوايا خبيثة.
بتعبير مجازي، لم ينتفض السوريون عام 2011 من أجل إزاحة نجاح العطار ووضع أخيها عصام في السلطة. كان هذا ما حاول الأسد حينها إيهام العالم به، وقد نجح في ذلك، وسينجح حسبما يقول أداء المعارضة.
المصدر: المدن