عبد الباسط عبد اللطيف
أصبح تداول الأخبار المتعلقة بالمخدرات حدثاً شبه يومي في الشأن السوري، وعمليات ضبط الشحنات الخارجة من سوريا (مناطق سيطرة نظام الأسد) إلى الحدود وفي المطارات والموانئ خبراً اعتيادياً؛ فمؤخراً مثلاً تم ضبط ما يقارب 20 مليون حبة كبتاغون، وأحبطت أكثر من 15 عملية تهريب خلال فترة وجيزة من الزمن على الحدود الأردنية فقط. وصرح وزير الداخلية اللبناني منذ أيام قليلة بأن قوات الأسد وميليشيات حزب الله هما الداعمان الأساسيان لتجارة الكبتاغون المخدر، وأن غالبية مراكز التصنيع بسوريا، وهذا ما أصبح معروفاً لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، وأن شحنة المخدرات التي ضبطت مؤخراً بميناء بيروت كانت معدة لإرسالها لدولة الكويت، وأن الملقي القبض عليهم السوري (يحيى الزعبي) واللبناني (أيوب زعيتر) خير دليل على تورط نظام الأسد وحزب الله اللبناني.
وفي مشهد مشابه لما كان يدور من حروب طاحنة بين كارتلات وعصابات المخدرات في كولومبيا والمكسيك وسط المدنيين، شهدت مدينة تلبيسة وسط سوريا يومي 7 و 8 أكتوبر 2022 حرب شوارع بين عصابات مسلحة مرتبطة بميليشيا حزب الله اللبناني، راح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى بسبب خلافات على عائدات تهريب المخدرات.
لقد أضحت المخدرات المصنعة في سوريا (مناطق سيطرة نظام الأسد) والمهربة منها خطراً يهدد السوريين على وجه الخصوص والعالم عموماً؛ إذ أخذت دول الجوار تكتشف يوماً بعد يوم هذا السيل من المخدرات الذي يجتاح الحدود والموانئ والمطارات ليملأ الشرق الأوسط ويصل مداه إلى أوروبا وأميركا.
وتشير التقارير إلى تفشّي المهدّئات والحبوب المخدّرة في مناطق سيطرة نظام الأسد وانتشارها بمستويات مُخيفة بين قطاعات مختلفة، ولا سيما بين ضحايا الحرب وطلبة الجامعات والمدارس وغيرهم. وأن رأس النظام عملياً إنما يدير مافيا لنهب البلاد والاتجار بكل شيء، وأن الدخل الأكثر ربحاً للأسد هو المخدرات، فهناك 15 مصنعاً داخل إقطاعية الأسد تنتج: الكبتاغون، الأمفيتامين، الكريستال ميث وغير ذلك، ويشرف على تنسيق تهريب المخدرات مساعد يوصف بأنه "بابلو إسكوبار السوري" (نسبة لأحد أباطرة المخدرات الكولومبيين)، وهذا الشخص ينسق النقل على السفن قبالة ساحل البحر الأبيض المتوسط مستفيداً من شركة السلامة الخاصة التي تتبع له لمرافقة القوافل. بينما تستخدم العائدات لتأمين استمرار الولاءات خاصة بعد تأثر حلقات الولاء الطائفية بالعقوبات الاقتصادية.
كل ذلك جعل من سوريا فوق بؤسها، عاصمة مخدرات الكبتاغون العالمية، فالنظام وحلفاؤه الإقليميون الرئيسيون، تمكنوا من تحويل سوريا من خلال توسيع سيطرتهم على الأرض وتوطيد دورهم كمستفيدين رئيسيين من تجارة المواد المخدرة، حتى صارت سوريا اليوم بؤرة عالمية لإنتاج وتصدير المخدرات إلى مختلف دول العالم ووصلت الصادرات السورية من مخدر الكبتاغون إلى قيمة سوقية لا تقل عن 3.46 مليار دولار أميركي عام 2020.
الكل أصبح يعرف المصنّعين، الفرقة الرابعة التي يتزعمها ماهر الأسد في جيش نظام الأسد القريبة من إيران، والمخابرات العسكرية السورية وميليشيا حزب الله (حليفهم اللبناني) إضافة إلى رجال أعمال متعاونين معهم.
ومواقع التصنيع باتت أيضاً معروفة، وهي المناطق الريفية المحيطة بدمشق، وفي القطاع الجبلي من القلمون، وعلى طول الحدود اللبنانية، وحول مدينة حمص وفي القرداحة.
في الجنوب السوري أيضاً هناك مواقع للإنتاج والتجميع والتهريب تغطي المنطقة الحدودية الأردنية بأكملها تقريباً.
إن أولى نتائج انتشار ورواج هذه السموم المخدرة على المجتمع السوري وخاصة فئة الشباب، ارتفاع نسبة الإدمان بشكل كبير. والإدمان يعتبر استسلاما نفسيا وجسديا لهذه السموم حيث يصبح العيش معتمداً عليها عضوياً ونفسياً ومن الصعب التخلي عنها، ولها تأثير بالغ على المجتمع والأسرة والعلاقات الاجتماعية وأماكن العمل.
ولا بد لمؤسساتنا التنفيذية من زيادة الحذر وتشديد القبضة تجاه محاولات نظام الأسد إغراق المناطق المحررة بالمخدرات، حيث لا يخفى على أحد أن ثمة أسباباً كثيرة في مجتمعنا السوري كالضغوط النفسية بسبب التهجير والنزوح وتدني نسب الوعي لمخاطر هذه الآفة وزيادة التفكك الأسري بالإضافة لعوامل اقتصادية صعبة على السوريين، تجعل من تعاطي هذه السموم في منحى زيادة كبيرة، لذلك لابد من العمل على مواجهة شاملة للحد من آثار هذه الآفة على مجتمعنا.
من ذلك، التأكيد على عملية التوعية بين فئة الشباب وإبراز الأضرار التي تنجم عن تعاطي المخدرات وآثارها المدمرة على المجتمع وذلك من خلال الندوات والورشات ووسائل التواصل الاجتماعي والعمل على إحداث مراكز تخصصية ومراكز استشفاء علاجية تعنى بمسألة الإدمان وآليات الشفاء منه في المناطق المحررة.
وعلى مؤسسات الثورة والمعارضة السورية تكثيف التواصل لوضع المجتمع الدولي بصورة ما آلت إليه الأوضاع في سوريا، حيث إنها أصبحت بجهود نظام الأسد المجرم دولة مخدرات بامتياز وأحد المصادر الرئيسية لتمويل آلته القمعية، وعلى المجتمع الدولي أن يقوم بمسؤوليته تجاه فرض عقوبات وإجراءات قانونية رادعة بحق النظام ومؤسساته للحد من تصنيع وتهريب وانتشار هذه المواد المخدرة، كونها أصبحت تشكل خطراً على كل دول الجوار والمجتمع الدولي بالإضافة للشعب السوري المنكوب الذي عانى من ويلات الحرب والقصف والتهجير.
الأمر الجيد أنه مع كل هذا التورّط لنظام الأسد بدءاً برأس العائلة ونزولاً لشبكات الولاء المتعددة في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات فإن إعادة تدوير هذا النظام التي يحلم بها البعض رغم سجله المتعدد الجرائم أمر لم يعد موضع نقاش.
المصدر: تلفزيون سوريا