منير الربيع
يكشف التعاطي اللبناني بملفات ترتبط بالنظام السوري عن "اليفاعة" السياسية لدى المسؤولين اللبنانيين. ينمّ ذلك إما عن ضلال أو عن رغبة في عدم مقاربة الملف بنظرة موضوعية وواقعية وبما يتمناه المرء. وغالباً، مع نظام دمشق لا مجال لأن يدرك المرء ما يتمناه. يظّن بعض اللبنانيين أن بإمكانهم تحويل بشار الأسد إلى عامل مساعد لديهم، أو أنه يتمتع بوداعة تسنح له منحهم ما يريدون وأكثر مما يتمنون. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المفاوضات مع دمشق ستكون شاقة أكثر من أي مفاوضات أخرى، كما أن أثمانها ستكون كثيرة عندما تحين لحظتها الاستراتيجية، وهي لم تحن. لأنها ترتبط بسياقات إقليمية ودولية ولا تقتصر على العلاقة بين لبنان وسوريا فقط. وعندما يحين ذلك الموعد، فإن سوريا لن ترضى بأقل من اتفاق إطار، كما حصل برعاية الأميركيين بخصوص ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
مخاطر مقبلة
لكن خطورة ما جرى، أي تأجيل البحث في ملف ترسيم الحدود مع سوريا إلى فترة لاحقة، لن يكون مرتبطاً فقط بسعي دمشق لتكون صاحبة تأثير في العهد الجديد، أو مع الرئيس الذي يفترض انتخابه. إنما لا بد من العودة إلى الأصل. إذ لم يكن إعلان عون عن الاستعداد للبحث في ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا إلا نتاجاً أو انعكاساً لدعوات متعددة من قبل خصومه، الذين شددوا على التوجه سريعاً لترسيم الحدود مع دمشق. وما دفعه إلى الاستعجال هو سعيه لتسجيل إنجاز جديد في سجّله. أما المخاطر الناجمة عن تلك الدعوات فسيكون لها هدف آخر، وهو التصويب في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق الناقورة على سلاح حزب الله، وأن الحزب قد اعترف بإسرائيل، وأنه لا بد من الذهاب إلى البحث في الاستراتيجية الدفاعية لضم سلاح الحزب إلى الدولة. وهذا بحذ ذاته يفتح الباب أمام إعادة البحث في ملف ترسيم الحدود البرية مع دمشق، ولا سيما بما يتعلق بمزارع شبعا، والاعتراف الرسمي السوري بلبنانيتها. وهذا ما لا تبدو سوريا جاهزة له.
اللجوء إلى الجيش
هذا السياق الذي سيتصاعد، معطوفاً على شغور رئاسي وفوضى دستورية وسياسية، ترتبط بعدم الاعتراف بتولي حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية، مع ما قد ينجم عن ذلك من توترات وصدامات، فإنه لا بد من توقع تبديد كل الأجواء الإيجابية التي سترافق "احتفالية" إنجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. وستكون البلاد مفتوحة على احتمالات متعددة بما فيها الصدام في الشارع أو اللجوء إلى معادلة شارع مقابل شارع، مع حصول توترات تدفع بالجيش اللبناني إلى التدخل لمنع الانهيار.. فتكون التسوية في حينها حاجة وضرورة يجتمع فيها البعض على قائد الجيش، كمخول لضبط الأمن من جهة، وللبحث في الاستراتيجية الدفاعية من جهة أخرى.
وموضوع قائد الجيش لم يغب عن الأسباب التي تم تسريبها لتأجيل زيارة الوفد اللبناني إلى دمشق. إذ اعتبر البعض في لبنان أن قائد الجيش هو الذي رفض البحث في ترسيم الحدود البحرية قبل البرّية، أو من خلال الإشارة إلى أن لا حماسة لبنانية لفتح هذا الملف. إلا أن هذا التسويغ يبقى ناقصاً، أو له أهداف أخرى، أبرزها محاولة إحراج قائد الجيش في موقفه، لا سيما أنه لو وافقت دمشق على ذلك، فلا يمكن لأي طرف لبناني أن يرفض.
اختلاف المقاربات اللبنانية
لا بد أن التوقيت ليس ملائماً بالنسبة إلى النظام السوري حالياً، خصوصاً أن عهد عون شارف على النهاية، ولا يمكن لدمشق أن تبيع هذا الملف لعهد سيغادر. وهذا يمكن أن يكون مرتبطاً بسعي سوري للتدخل أكثر في الملف اللبناني، ويفضل أن يحصل بالتعاون مع رئيس جديد يكون على علاقة جيدة بالنظام السوري. ولا تخفى بعض الاختلافات في المقاربات اللبنانية لهذا الملف، لا سيما في ظل المعلومات التي تحدثت عن اعتذار اللواء عباس ابراهيم عن المشاركة في عداد الوفد. وهذا يعود لسبب من اثنين، أو للسببين معاً، فإما أن يكون ابراهيم مستاءً من طريقة التعاطي ومن تكليف بو صعب برئاسة الوفد، علماً أن مدير عام الأمن العام عمل منذ سنوات على ترتيب العلاقة مع دمشق، وإما أن يكون ابراهيم على علم بأن الزيارة لن تحصل أو لن تنجح.
بالنسبة إلى النظام السوري، لا يمكن لعون أو لغيره أن يستند فقط على علاقته القوية بحزب الله، من أجل تمرير ما يريده مع دمشق. فصحيح أن حزب الله قادر أن يمون على النظام السوري في هذا الملف، ولكن أيضاً لدمشق حساباتها الخاصة مع الأفرقاء اللبنانيين. هنا لا معلومات كافية عن جوهر موقف حزب الله، إذا كان يريد الدخول في هذه المحادثات أم لا، لكن الأكيد أن الحزب كان يسعى دوماً إلى تطبيع العلاقة رسمياً مع دمشق، وليس فقط البحث بملف الترسيم. هنا ثمة من يعتبر أن عون وباسيل لم يعطيا حزب الله كل ما يريده في هذا السياق، لا سيما أن باسيل يرفض حتى الآن السير بدعم ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ويرفض التنازل لتسهيل تشكيل الحكومة، ما يعرقل مساعي حزب الله.
المصدر: المدن