عبد الناصر العايد
أفاد تقرير غربي بأن روسيا نقلت جزءاً من قواتها العاملة في سوريا إلى أوكرانيا. ويفيد تحليل هذه الأخبار، على ضوء المعطيات الواقعية ومراقبة المشهد العسكري السوري، بأن هذا الانسحاب لن يكون مؤثراً، لا في الضربات الإسرائيلية للمليشيات الإيرانية هناك، ولا على الموقف العسكري العام لنظام الأسد الذي جُلبت هذه القوات لدعم بقائه. ونقل التقرير عن دبلوماسيين غربيين كبار، ومسؤول دفاعي إسرائيلي كبير، أن موسكو سحبت بعض أسلحتها وقواتها من سوريا، منها منظومة إس300، وعدد من الجنود يتراوح بين 1200 و1600 مقاتل.
بدايةً، يجب أن نذكر أن الوجود العسكري الروسي في سوريا، أخذ شكل بعثات متتالية، مدّتها نحو ثلاثة أشهر، وقد تبادلت وحدات كثيرة هذه المهمة، كما تم التبادل بين دفعات من كل وحدة. ولم تتمركز أي وحدة أو قائد روسي بشكل دائم في سوريا على الإطلاق، وهو الأمر الذي يفسر أيضاً كثرة الأخبار عن تعيين هذا القائد أو ذاك على الجبهة الأوكرانية بعدما كان قائداً للقوات في سوريا. وفي الحقيقة أن معظم القادة الروس البارزين، في سلاح الجو على وجه التحديد، عملوا في سورية لفترة محدودة في إطار مهمة من هذا النوع، وشاركوا في مهمات تزامنت مع فترة ايفادهم، مثل الهجوم على حلب أو تدمر أو غيرها. وبالمحصلة فإن أنباء الإنسحاب المشار إليه قد تكون صحيحة في إطار عمليات التبديل الروتينية، لكن مع عدم إرسال بديل. وجدير بالذِّكر هنا أن مهمة تلك القوات كانت في الغالب للتدريب، ولإفادة الجنود الروس، إذ يتقاضون في هذه المهمة الخارجية أضعاف الراتب المعتاد، ولم تنخرط تلك القوات في عمليات واسعة، منذ ثلاث سنوات على الأقل.
من ناحية أخرى، فإن القوات الروسية في سوريا، هي قوات جوية ودفاع جوي بالدرجة الأولى، أي أسراب من الطائرات المقاتلة ووسائل حماية المطارات، وكلاهما لا يلعب دوراً في المشهد السوري الحالي، إذ لا عمليات واسعة ونشطة، ويكفي عدد قليل جداً من الطائرات لتنفيذ المهمات المحتملة. كما أن أنظمة الدفاع الجوية، خصوصاً الثقيلة، مثل إس300، بلا أي عمل مع عدم وجود أي تهديد تقريباً للقاعدة الروسية في حميميم، خلا بعض الطائرات بلا طيار، والتي هاجمت القاعدة في مرحلة ما، وهذه يمكن مواجهتها بمنظومات متنقلة ومحمولة أصغر مثل منظومة بوك.
أما التواجد الميداني الروسي على الأرض، فهو عبارة عن مستشارين عسكريين يتولون مهمة التنسيق بين القوات الأرضية والطيران لتوجيه ضرباته، أو ما يدعى بمنظومات التوجيه الأمامي، وهذه محدودة العدد، ولم يعد لها عمل مع توقف العمليات البرية. إضافة إلى قوات الشرطة العسكرية التي كانت تشرف على تنفيذ اتفاقات التسوية بين النظام وقوات المعارضة، وهذه أيضاً صغيرة العدد ولم يعد لديها مهمة يُعتدّ بها بعدما انتهت عمليات التسوية أيضاً.
لقد كان الوجود العسكري الميداني الرئيسي على الأرض، مؤلفاً من الشركات الأمنية الخاصة، ومعظمها يتبع لطباخ بوتين، بريغورين، مثل قوات فاغنر وألفا وغيرها. وهذه جاءت بعقود مؤقتة للمشاركة في العمليات الرئيسية، وانتهت عقودها، أو جاءت باتفاق لانتزاع حقول النفط والحصول على نسبة من إنتاجها. وقد أجهض استيلاء القوات الأميركية والكردية على معظم هذه الحقول، الاتفاق، وانسحبت غالبية تلك القوات، وانتقلت إلى بلدان أخرى، خلا حاميات صغيرة متمركزة في الحقول التي تمكنت من انتزاعها بالفعل، مثل حقل الشاعر في حمص، وحقل ومعمل تويمين للغاز في الرقة، وحقل التيم في دير الزور.
الانسحاب الروسي، إذن، إن حصل، فهو للضباط والفنيين القائمين على قيادة الطائرات ومنظومات الدفاع الجوي وصيانتها، وهي لن تؤثر في المرحلة الحالية في المشهد السوري. فالقليل من هذه الطائرات يستطيع تنفيذ المهمات الحالية، وما زالت هناك أسراب من الطائرات في حميميم، وفق مصادرنا. وهذا الانسحاب لن يؤثر أيضاً في العمليات الإسرائيلية في سوريا، وهجماتها على المليشيات الإيرانية. فتل أبيب كانت تنفذها بوجود المنظومات المشار إليها، وما يجري الحديث عنه من احتمال إغلاق روسيا للمجال السوري أمام الطائرات الإسرائيلية بسبب دعم تل أبيب لأوكرانيا، تنفيه الجهات الإسرائيلية الرسمية لتقديمها أسلحة لأوكرانيا، كما ينفيه قيام الطيران الإسرائيلي بعملية جديدة قرب دمشق، يوم الجمعة الماضي، أي بعد أيام فقط على ظهور تقارير تتحدث عن خلاف بين موسكو وتل أبيب.
الكلام أعلاه لا ينفي أن الميدان السوري سيتأثر بما يحدث في أوكرانيا. حتى لو كان الأمر إنهاء مهمة تدريبية من دون معارضة، فإنه يعني بدء انحسار الوجود الروسي في سوريا. لكن العتبة التي يصبح فيها التأثير مباشراً وملموساً، ما زالت بعيدة، ولن يتم الاقتراب منها إلا إذا تطور الصراع الأوكراني إلى حرب غربية-روسية شاملة. عند ذلك ستبرز سوريا بالتأكيد كخاصرة رخوة يمكن طعن بوتين فيها.
المصدر: المدن