محمد سليمان دحلا
يعتبر الاحتكاك العسكري الفصائلي في الأيام القليلة الماضية هو الأعنف من نوعه والأوسع جغرافياً، حيث فرزت وفقه فصائل الجيش الوطني بين متحالف مع هيئة تحرير الشام ومحايد ووسيط وكذلك انقسم الحاضن الثوري على نفسه كما في كل الحالات المماثلة.
وبعيداً عن أسباب النزاع ومسبباته فقد توقف القتال وبدأ تنفيذ مضمون الاتفاق المعلن بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام والذي لا يبدو بعيدا عن أنظار الحليف المشترك للفصائل وهو التركي، لذلك من المرجح أنه يشمل أيضاً كل الأطراف، وتشير المؤشرات إلى أن الخطوات الأولى للاتفاق وضعت موضع التنفيذ الفعلي على مستوى إعادة الانتشار الأمني والفصائلي وما يستتبعه في باقي الملفات الاقتصادية والإدارية والسياسية أيضاً، مع الإشارة إلى هشاشة ذلك الاتفاق وغموضه والعقبات التي ستعترض تنفيذه مما يجعله عرضة للانهيار بأي لحظة.
وتكمن الخطورة في التداعيات السلبية التي تتجاوز واقعة الاقتتال بحد ذاتها لتشمل المخاطر المترتبة على الصلح المبرم على كافة المستويات السياسية الاجتماعية والعسكرية، وكالعادة فإن المجتمع المدني يدفع ثمن الاقتتالات ثم يدفع ثمن الصلح أيضاً؛ وتتجلى تلك الخطورة خصوصاً من الناحية السياسية، فتلك الترتيبات تأتي في سياق السياسة التركية المستجدة في الملف السوري والتي تقوم على التواصل المكثف مع نظام الأسد على المستوى الأمني وفتح إمكانية التواصل السياسي، والذي يبدو أنه بات قريباً، وكذلك في سياق التفاهمات التركية الروسية وتصاعد الحديث عن فتح المعابر والمصالحة مع النظام وهو ما يرفضه الحاضن الثوري.
وبعض الأطراف المتقاتلة في هذه المرحلة، التي يجري فيها ترتيب ملف الشمال المحرر، ترفع شعار تلبية المطالب المتكررة والمحقة للمجتمع بضرورة ضبط الأمن وتعزيز القضاء والمؤسسات وتوحيد الملفات الاقتصادية والعسكرية والأمنية للتخلص من حالة الفوضى والفشل الأمني، وهو ما لاقى صدىً إيجابياً لدى المدنيين الذين عانوا الأمرين من عسف وتجاوزات وأخطاء الفصائل، وهو ما تسبب بظهور المجتمع المحلي بأغلبه بموقف المحايد تجاه هذا الاقتتال، خاصة مع الصمت وغض الطرف التركي والذي يجري تبريره بأن تركيا تعبت من الفوضى الفصائلية وتريد انهائها وتمكين المؤسسات في المناطق الواقعة تحت نفوذها.
ولعل من المفارقة أن جهات الصراع التي رفعت تلك الشعارات وانخرطت في القتال تحت تلك الأحقية الأخلاقية، هي المعني الأول بتلك التجاوزات والانتهاكات مما يؤكد أنها مجرد شعارات تستبطن مصالح خاصة شخصية وفصائلية، وكذلك، غايات سياسية في سياق الحل السياسي الشامل.
إن الخسارة الكبرى التي حصلت في تلك المنازلة هي فقدان الحاضن الشعبي الذي لم يتوقف طيلة السنوات الأخيرة عن مطالبة الفصائل بالتوحد وتحقيق تلك الإصلاحات بفصل العمل المدني والسياسي عن العسكري وتمكين المؤسسات وعلى رأسها الشرطة والقضاء، ولعل المماطلة والتسويف والتجاهل لتلك المطالب من قبل الفصائل هو الذي أدى لهذه النتيجة.
ولكن لعل الأوان لم يفت بعد، فاستحقاق ترتيب البيت الداخلي هو مطلب كل الغيورين، وهو حاجة وضرورة لنا ولتركيا أيضاً، ولكن ليس بطريقة تبقي فتيل النزاع قائماً، أو تتنكر للأهداف الوطنية للثورة وتتجاهل الإرادة الشعبية والتي ينبغي أن يتم التعبير عنها بآليات سليمة، وكذلك ينبغي أن تقوم تلك الترتيبات على معالجة كل المشكلات بما فيها استيعاب وإدماج هيئة تحرير الشام بآلية تضمن توحيد المناطق المحررة جميعها وتسحب كل الذرائع، بعد معالجة مشكلة نفر قليل من الأجانب، وكذلك انهاء تعدد الحكومات والمرجعيات.
وذلك يتطلب طرح مشروع متكامل يحقق تلك المطالب، وصولاً إلى قطع الطريق على سيناريو تصفية الثورة وتعويم النظام، مما يدفعنا لعرض النقاط أدناه كحقيبة متكاملة:
- تشكيل برلمان مؤقت للمناطق المحررة يمثل المجتمع المحلي في المناطق المحررة جميعها من خلال انتخابات حرة ونزيهة تحضر لها وتديرها لجنة انتخابية مستقلة مؤلفة من مهنيين، ويتألف من 150 عضو، ينتخب 100 في مناطق الشمال وهؤلاء ينتخبون الخمسين المتبقية من قائمة مرشحين من المقيمين في الخارج
- يجتمع البرلمان المنتخب بصيغة جمعية تأسيسية تضع وثيقة مبادئ دستورية تسري إلى حين تطبيق الحل السياسي
- تنبثق عن البرلمان، بعد إقرار الوثيقة الدستورية، حكومة كاملة الصلاحيات التنفيذية لكافة المناطق المحررة، وتحل حكومتي المؤقتة والإنقاذ وتسلم كل منهما كل ما تحت يدها للحكومة الجديدة.
- يكون للبرلمان صلاحيات تشريعية ورقابة ومساءلة الحكومة أو أي من أعضائها وإعطاء الثقة وحجبها
- تخضع كافة المؤسسات إلى التسلسل الإداري وتتبع كل منها للوزير المختص الذي له سلطة العزل والنقل والتعيين ويسري ذلك على وزارة الدفاع التي لوزيرها أن يحل الفصائل ويعيد دمجها وتشكيلها بما فيها هيئة تحرير الشام وبالمثل ما يتعلق بالأجهزة الأمنية والشرطية وتتبيعها لوزير الداخلية.
- ينظر البرلمان في النظام الأساسي للائتلاف ويقره أو يعدله أو يستبدله
- تنحصر مهمة الائتلاف بمهام التفاوض السياسي تحت رقابة ومساءلة البرلمان ويقوم بمجمله بمقام ومهام وزير الخارجية في الحكومة ومباشرة الملف السياسي، ولا تكون أي اتفاقية يبرمها نافذة مالم يصادق عليها البرلمان.
ولعله من غير المتوقع لهذه المطالب أن تجد استجابة من المتاجرين بالمطالب الشعبية وتجار الثورة والشعارات من المتنفذين السياسيين والعسكريين هنا وهناك، ولكنها على الأقل تقيم الحجة على هؤلاء، وبها يتم تصحيح مسار الثورة واستعادتها لأصحابها من غاصبيها جماعات ودول.
المصدر: أورينت نت