عدنان علي
هيئة تحرير الشام، أحرار الشام، فيلق الشام، صقور الشام، أجناد الشام، أنصار الشام، ثوار الشام، أهل الشام، فتح الشام، غرباء الشام، جند الشام، فرسان الشام، الجبهة الشامية.. إلخ. هذه أسماء بعض الفصائل التي مرت على الثورة السورية حتى الآن.
وتأتي غزارة هذه الأسماء التي تحمل اسم "الشام"، بالرغم من أن أهل الشام، أي العاصمة دمشق، غير مشهورين بميلهم للقتال والعنف، فهم أهل مدن وتجارة، وأناس مسالمون، وسيلتهم طيب الكلام، لحل ما يواجهون من مشكلات وتحديات. وحتى الثورات والانتفاضات التي شهدتها دمشق عبر التاريخ ضد طغيان محلي، أو غاز أجنبي، كان محركها سكان ريف المدينة، وليس دمشق نفسها.
ومن المفهوم، أن اسم الشام، الذي يشير تاريخيا إلى الإقليم المكون من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، ويستخدم محليا للدلالة إلى العاصمة دمشق، قد يكون مغرياً وملهماً ليس للحركات والقوى الثائرة وحسب، بل أيضا للتسميات التجارية مثل شركة الشام، وأزهار الشام، وألبسة الشام، وفلافل الشام.. إلخ.
وما يدفع لاستذكار هذه الأسماء، هو القتال الذي شهده الشمال السوري مؤخرا بين فصيلين يحملان تسمية الشام، وهما "هيئة تحرير الشام" و"الجبهة الشامية" التي تشكل العمود الفقري لما يسمى الفيلق الثالث التابع لـ"الجيش الوطني السوري".
والواقع أن معظم الفصائل ممن حملت اسم الشام، أو أسماء أخرى، إسلامية أو وطنية، أو غير ذلك، لم تحرص على تجسيد اسمها في سلوكها، لا بالمعنى الضيق أي العاصمة دمشق، ولا الأوسع، أي الإقليم الشامي، ولا حتى الوطني السوري، وكان الأمر بالنسبة لها مجرد اسم، قد يتبدل، (وكثيرا ما تبدل)، في أية لحظة، من دون أن يكون لذلك أي أثر على هوية الفصيل، وسلوكه وسياساته.
وعلى سبيل المثال، فإن "جبهة النصرة" حرصت في تسمياتها المختلفة، على استخدام اسم الشام، من اسمها الأول" جبهة النصرة لأهل الشام" ثم "جبهة فتح الشام" وصولا إلى "هيئة تحرير الشام"، لكن دون أن نلمس تبدلات عميقة في سلوك هذا الفصيل، إلا ما تمليه الضرورات البراغماتية المتصلة بالتحالفات والمصالح والرهانات المحلية والخارجية المتحولة، كما لغيره من الفصائل.
وتسعى "الهيئة" إلى طرح نفسها كصاحبة مشروع غير واضح المعالم بشقه السياسي- الوطني، لكن غاياته النفعية السياسية والاقتصادية واضحة ومفهومة، في ظل حالة التنافس على النفوذ والسيطرة بين القوى القائمة في الشمال السوري، والتي باتت تتنافس أيضا على خطب ود "الراعي التركي"، وتقديم نفسها على أنها الأكثر ملائمة لخدمة مصالح الراعي.
وفي سياق هذه التحولات، بايع زعيم التنظيم أبو محمد الجولاني تنظيم القاعدة أولا رداً على إعلان البغدادي زعيم "الدولة الإسلامية" آنذاك الوصاية على جبهة النصرة، ثم تخلى عن "القاعدة" ليعلن عن "جبهة فتح الشام" كفصيل جهادي محلي، وصولًا إلى الحديث عن خطاب محلي "وطني" مع الإعلان عن "هيئة تحرير الشام" حيث حاول تبني مفردات وأدبيات الثورة السورية وإزاحة القيادات المتشددة عن المراكز القيادية داخل صفوف التنظيم، ومن ثم الانخراط أكثر في الشأن المحلي بواجهة مدنية، عبر ما يسمى "حكومة الإنقاذ"، وكل ذلك في سياق البحث المستمر عن شرعية محلية ودولية.
واليوم فإن قيادة "الهيئة" تسعى لقطع خطوة أخرى، في معركتي اكتساب الشرعية وتوسيع النفوذ، وهما تكادان تكونان معركة واحدة، بالنسبة لها، تغذي إحداهما الأخرى، وكلما حصلت على مزيد من الشرعية، مكنها ذلك من مد نفوذها إلى مناطق جديدة، والعكس صحيح في كثير من الأحيان، لأنّ القوى المختلفة، المحلية وحتى الدولية، غالباً ما تلجأ إلى خطب ود الطرف القوي، الذي تستطيع عقد الصفقات معه، وتضمن حسن التزامه بها، خلافا للقوى المتشرذمة التي تفتقر إلى قيادة موحدة منضبطة.
والحقيقة أن "الهيئة" لم تستطع حتى الآن تقديم مشروع سياسي – إداري ينطلق من بواعث محلية وفق المقاربة التي عمدت إليها مثلا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في شرق البلاد، بسبب انشغالها بالبحث عن المشروعية الخارجية، ونزع اسمها من قوائم "الإرهاب" الدولية، فضلا عن عدم إيمانها بالتشاركية مع القوى الأخرى الموجودة على الأرض، وإصرارها على الاستئثار بالسلطة والقرار، وهذا مطب وقعت فيه "قسد" أيضاً، برغم محاولاتها تصدير صورة مغايرة لذلك.
ومع هذا الارتباط الوثيق لقوة "الهيئة" ومكانتها، مع التفاهمات والتوافقات الدولية أو الخارجية، بما في ذلك البحث عن دور سياسي في مستقبل التسوية السورية، فإنها ستظل تعيش حالة "قلق" لا يستقيم معها بناء نماذج مستديمة على صعيد الإدارة والحكم، فضلا عن حالة عدم الثقة العميقة مع القوى الأخرى، والمجتمعات المحلية
المصدر: تلفزيون سوريا