صحافة

استخدام النووي: بوتين لا يمزح..لكنه لا يستطيع!

الاثنين, 10 أكتوبر - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

عبد الناصر العايد


يتمحور النقاش العالمي اليوم حول احتمال استخدام روسيا للسلاح النووي في معركتها الأوكرانية، خصوصاً بعد تفجير جسر القرم الذي يُعدّ، وفق خرائط موسكو، ضربة في العمق الروسي، ولا شك أن بوتين لا مشكلة أخلاقية لديه باستخدام السلاح النووي. لكن الرجل، المعروف بأنه مغامر عقلاني، لا بد أنه ما زال يتمتع ببعض تلك العقلانية ليدرك أن إقدامه على ذلك لن يحقق أياً من أهدافه، بل سيضعه في مأزق أكبر، هذا إذا لم يُطِح به تماماً. 

تتمثل معضلة الكرملين في أوكرانيا، في كون الجيش الروسي، أقل قدرة وكفاءة من القوات الأوكرانية المدعومة من "الناتو"، أو بوضوح أكبر، أسلحته أضعف من الأسلحة الغربية. ولا بد أن ذلك ينسحب على السلاح النووي، ولا بد أن بوتين والأوليغارشية المحيطة به تساورهم شكوك كثيرة بشأن قدرة القذائف النووية الروسية على تجاوز الحدود الروسية والوصول إلى أهدافها فيما لو نشبت الحرب النووية الشاملة. فوفق المعطيات الميدانية في أوكرانيا، قد لا تؤدي تلك الحرب إلى نهاية العالم، بل إلى نهاية روسيا وحدها، خلافاً للتهديد الشهير لبوتين: "ما نفع العالم إن لم تكن روسيا فيه". 

لم يعلن الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، ما الذي سيفعله رداً على استخدام بوتين للسلاح النووي، سواء كان تكتيكياً استراتيجياً. وتم الاكتفاء على الدوام بالتهديدات الغامضة، مع التقليل من احتمالات وفرص استخدام هذا السلاح في الدوائر الغربية بالعموم، بما في ذلك التوضيح الذي صدر عن البيت الأبيض بخصوص تصريحات بايدن التي قال فيها إن بوتين يفكر في استخدام السلاح النووي. لكن لدينا تصريحاً واحداً غير رسمي، من الجنرال الأميركي المتقاعد، ديفيد بترايوس، قال فيه إن استخدام روسيا للسلاح النووي في أوكرانيا، وهو يقصد في هذه الحالة السلاح التكتيكي، سيجبر الولايات المتحدة على تدمير الجيش الروسي في أوكرانيا، وأسطولها في البحر الأسود. ولم يقل الجنرال، الذي لا بد أنه يحسب كلماته جيداً، ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك. لكن المراقب لا يستطيع أن يتجاهل هذا الجزء من تصريحات هذا الرجل المطلع جداً، رغم إنه ليس صاحب قرار اليوم. وهو يعني إن النهج الغربي، فيما لو استخدمت روسيا السلاح النووي، سيكون تصاعدياً، شأنه شأن المواجهة القائمة حالياً في أوكرانيا. 

فالردّ الغربي على تفجير سلاح نووي في أوكرانيا، حتمي إذن، وخسارة موسكو في المواجهة مؤكَّدة، بالنظر إلى موازين القوة بينها وبين خصومها. ولا مفر لموسكو، والحال هذه، من البحث عن سيناريوهات جديدة لا تستبعد استخدام السلاح النووي، وتحقق في الوقت عينه بعضاً من أهدافها. وهنا يمكن التفكير في استخدام أسلحة دمار شامل أخرى، مثل الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية، فهي لا تندرج عملياً ضمن الخطوط الحُمر الواضحة التي رسمها الغرب، ومن ناحية أخرى يستطيع بوتين أن يلعب بشأنها اللعبة التي يتقنها وهي الإنكار المعقول. فقد تم التمهيد جيداً لامتلاك أوكرانيا لأسلحة كيمياوية وجرثومية. وهو، باستخدامه لها في مناطق تتحدث الغالبية الروسية، يستطيع شدّ العصب القومي الروسي من ناحية، وامتلاك ذريعة لاستخدام أسلحته الأخطر، على اعتبار أن بلاده تتعرض لخطر وجودي، وأخيراً بذريعة أن خصومه قد تجاوزوا كل المحرمات. وعلى الصعيد الداخلي أيضاً، يمكن استثمار ضربة مثل هذه، لإعلان حالة الحرب الشاملة، والتجنيد الشامل الذي يمكّنه من إسكات منتقديه وامتلاك فائض قوة بشرية قد يغير في مجريات المعارك الميدانية، خصوصاً إذا ما تضافر مع التلويح الجدّي باستخدام الأسلحة النووية، وربما نشرها على الحدود مع "الناتو" ومع أوكرانيا. 

إن ما يعرف بالعقيدة النووية للدول التي تمتلك هذا السلاح، هي غامضة بالعموم، ولم يجرِ اختبارها قط. لذا، فإن الحديث عن استخدامها وردعها والعواقب التي تترتب على ذلك، ما زال في إطار السيناريوهات الذهنية المتخيلة. فالنتائج الفعلية، المادية والنفسية، لن يكون في الإمكان التنبؤ بها مسبقاً. وحتى ذلك الحين، فإن ما يمكن تأمله والتركيز على نتائجه، هو ذلك الاستهداف الأوكراني المتواصل للقوات الروسية وأسلحتها ومستودعات ذخيرتها، بنيران غربية دقيقة وبعيدة المدى، والتي تشبه تجريدياً نوعاً من عمليات الإعدام الممنهجة لقوة روسيا العسكرية. وهو مشهد يؤلم بوتين، بلا شك، لكن استبداله بعملية قد تؤدي إلى "قطع رأس" روسيا، لن يكون خياره الملائم للردّ بالتأكيد. 


المصدر: المدن

الوسوم :