صحافة

التدخل العسكري الروسي في سوريا.. الأسباب والنتائج والموقف الدولي

السبت, 1 أكتوبر - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

سليم إدريس 


منذ بداية الثورة السورية كان الموقف الروسي واضحاً ومنحازاً لصالح طاغية الشام، حيث ساندت روسيا بقيادة الرئيس بوتين النظام الديكتاتوري في دمشق بكل الوسائل والسبل الممكنة سياسياً ودبلوماسياً. واستخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإجهاض قرارات تدين النظام السوري، وقدمت له كل أنواع الدعم اللوجستي الممكن. كل ذلك على الرغم من أن الاحتجاجات كانت ولفترة زادت على ستة أشهر سلمية خالصة يهتف بها المتظاهرون " واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد" وكانت صدورهم العارية تتلقى رصاص أجهزة الأمن الأسدية، وكان الجرحى الذين يصلون إلى المشافي يُقتلون هناك على أيدي فرق الموت التي كانت معدة مسبقاً في المشافي المدنية والعسكرية في كافة المدن السوريا، وما حدث في مشفى حمص العسكري مثال حي وصارخ على ذلك. حتى مواكب تشييع جثامين الشهداء كانت تتعرض للكمائن ويطلق عليها الرصاص مثل عُباب الموج وزخ المطر لقتل أكبر عدد من المشيعين. 

هكذا كان إجرام وحقد نظام بشار الأسد واضحاً منذ البداية، فهل كان لصور الشهداء والمجازر التي ارتكبت، وهل للمشاعر الإنسانية أي تأثير على الموقف الروسي؟ ولماذا وقفت روسيا إلى جانب نظام بشار الأسد ضد ثورة شعبية تريد الحرية والكرامة، ودولة مدنية تعددية تقوم على مبادئ العدالة والمواطنة؟

أسباب وقوف روسيا إلى جانب السفاح: 

الجوانب الإنسانية والأخلاقية ليس لها أهمية على الإطلاق في مواقف الدول، والموقف الروسي من الثورة السورية قائم على تحقيق مصالح روسيا على المستويين الدولي والإقليمي. روسيا التي عانت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وفقدت دورها كزعيمة لقطب ثان في العالم بعد أن انهار ذاك القطب الخلبي بسبب هدير أصوات المتظاهرين في عواصم ومدن ما كان يسمى البلدان الاشتراكية الأعضاء في حلف وارسو، فانهارت الأنظمة الشيوعية وانهار معها الاتحاد السوفييتي وظهرت حقيقة النظام الاشتراكي عموماً، وحقيقة الاتحاد السوفييتي خصوصاً كبيضة فاسدة تمنع قشرتها انبعاث روائحها الكريهة إلى الجوار، وعندما جاء غورباتشوف وساهم في كسر القشرة الخارجية كان ما كان من انهيار مدوٍّ. وتاهت روسيا في مشكلاتها الداخلية وفقدت دورها على الصعيد الدولي وتجلى ذلك في العديد من الأزمات الدولية مثل أزمة البلقان والغزو الأميركي للعراق، وآخرها عندما قام الربيع العربي وشاركت الدول الغربية في قصف قوات القذافي ولم تفعل روسيا شيئاً. الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت لا تترك فرصة تمر إلا وتمعن في توجيه رسائل غير مباشرة لروسيا أنها لم تعد قطباً وليس لها دور على الصعيد الدولي. كل هذه الأمور كانت ماثلة أمام المجرم بوتين عندما اتخذ موقفه من الثورة السوريا. 

هناك أسباب عديدة دفعت بوتين لهذا الموقف غير الإنساني والمنحاز ولعل أبرزها : 

    العودة إلى لعب دور قوي من خلال دعم النظام السوري والوقوف في وجه جميع الدول والقوى التي أعلنت مساندتها -ولو شكلياً- للثورة السورية (وخاصة أميركا والدول الغربية) ليظهر للعالم أن روسيا لاعب أساسي لا يمكن تجاهله على الصعيد الدولي. وبالطبع هو يريد من وراء ذلك تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب سواء من النظام السوري والدول الإقليمية، أو من الولايات المتحدة والدول الغربية حيث تتم في مثل هذه الحالات مقايضة عبر تنازلات من جانبه لهم في الملف السوري لقاء تنازلات يقدمونها له في ملفات أخرى بينهم.

    نظرة روسيا للثورة لا تقوم على أن هناك شعبا مقهورا يريد أن ينال حريته، وإنما على اعتبار أن هناك صراعا دوليا وإقليميا للسيطرة على سوريا، وروسيا تعتبر أن قوى الثورة مرتبطة بالدول الغربية وحليفة لها وفي حال انتصار الثورة فإنها ستطرد روسيا من سوريا، ولذلك كان القرار الروسي بالوقوف إلى جانب نظام القتل والإجرام لمنع سقوطه وبالتأكيد لضمان استمرار الوجود الروسي في سوريا من خلال حماية النظام، وبذلك يبقي الروس على وجودهم العسكري في مرفأ طرطوس والبحر المتوسط لتأمين مدخل سريع إلى البحر الأحمر والمحيط الأطلسي.

    حماية المصالح الاقتصادية والتجارية الروسية، فسوريا تعتبر من أكثر الدول استيراداً للسلاح الروسي كما أن الدراسات أشارت إلى أن سوريا قد تصبح من كبريات الدول المصدرة للغاز في العالم بعد الاكتشافات التي تم الحديث عنها في البحر المتوسط والبادية. روسيا ترغب في أن تتحكم هي بأسواق الطاقة العالمية ولذلك كان هذا الاهتمام الكبير بدعم نظام بشار الأسد.

    الخوف من انتصار الثورة السورية الذي قد يشكل حافزاً للشعب الروسي للثورة ضد نظام بوتين الديكتاتوري. 

على الرغم من الدعم السياسي والدبلوماسي واللوجستي الكبير الذي قدمته روسيا للنظام السوري إلا أن الوضع الميداني للنظام كان دائم التدهور، واستطاعت قوى الثورة والمعارضة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد وأسقطت كثيرا من المواقع العسكرية الحصينة والمطارات، مثل كلية المشاة في حلب، ومجمع الكليات العسكرية في معسكرات سيف الدولة الحمداني، والفوج 46، ومطار الجراح، ومستودعات مهين، بالإضافة إلى السيطرة على مدينتي الرقة وإدلب، والوجود القوي للثوار في الغوطة والجنوب السوري والساحل والمنطقة الشرقية وتحرير مساحات شاسعة من البلاد زادت على 60% من مساحة سوريا، مما جعل النظام يترنح رغم الدعم اللامحدود من الإيرانيين وميليشياتهم الطائفية العراقية، واللبنانية والأفغانية وهذا ما دفع روسيا للتدخل العسكري المباشر في سوريا في النصف الثاني من شهر أيلول/ سبتمبر عام 2015 و تم تنفيذ أول ضربة جوية روسية معلنة في سوريا بتاريخ 30 أيلول عام 2022 فما هي أسباب التدخل العسكري الروسي المباشر؟

أسباب التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا: 

هناك جملة أسباب للتدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا وأهم هذه الأسباب: 

    حماية نظام الأسد من السقوط الذي كان وشيكاً، وقد أعلن سيرغي لافروف صراحة بأنه لو لم تتدخل روسيا مباشرة لسقطت دمشق تحت ضربات الثوار حيث وجدت روسيا ضرورة للتدخل بسبب الانتصارات المتتالية لقوى الثورة والانهيارات المتتالية لجيش النظام وعدم قدرة حلفائه الإيرانيين وميليشياتهم وعلى رأسها حزب الله على حمايته، مما هدد بقلب الموازين لصالح المعارضة على الجغرافيا السوريا بشكل كبير.

    تمكين وتعزيز الوجود العسكري الروسي في حوض البحر الأبيض المتوسط للدفاع عن مصالحها العسكرية والاقتصادية المتمثلة في الاستثمارات في مجالي النفط والغاز وغيرها من النشاطات التجارية.

    رغبة بوتين بتوجيه رسالة قوية للعالم من خلال تدخله في سوريا، مفادها أن روسيا ما تزال قوة كبرى في الساحة الدولية.

    قتال الجماعات الإسلامية التي تشكل مصدر قلق كبير لروسيا ومحاولة صرف نظر المجتمع الدولي عن ضرورة إحداث تغيير سياسي في سوريا واستبداله بما يسمى مكافحة الإرهاب.

    كسب التأييد الشعبي داخل روسيا خاصة بعد تدني مستوى المعيشة وتدهور الوضع الاقتصادي بسبب تدني أسعار النفط، وبسبب العقوبات التي فرضت على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم.

    بيع الأسلحة، حيث إن العمليات الروسية في سوريا وعمليات استعراض الأسلحة من طائرات وصواريخ وأنظمة عسكرية يعتبر دعاية للتصنيع العسكري الروسي. وبالفعل فقد صرح ضباط روس كبار مرات عديدة أن أسلحة وذخائر جديدة قد تم تجريبها في سوريا.

    هناك بعد ديني في التدخل العسكري المباشر بسبب تأثير التيارات المحافظة، ذات التوجه الديني داخل الكرملين حيث يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحليفه البطريرك كيريل رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، للظهور بمظهر المدافع عن الدين المسيحي والأقليات المسيحية في سوريا وهذا ما دفع بالكنيسة الأرثوذكسية الروسية أن تصف الحرب في سوريا بأنها "حرب مقدسة". 

نتائج التدخل العسكري 

لم تمتلك قوى الثورة والمعارضة أسلحة دفاع جوي فعالة منذ بداية الثورة حتى الآن وذلك بسبب الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على وصول هذا النوع من الأسلحة إلى أيدي الثوار بحجة الخوف من وقوعه تحت سيطرة الجماعات المتطرفة. وبالنسبة لتزويد قوى الثورة بالأسلحة الأخرى والذخائر فقد كان في حده الأدنى تماماً مع بدايات التدخل العسكري الروسي مما يشير إلى تواطؤ دولي وإعطاء روسيا الضوء الأخضر لتفعل ما تشاء في سوريا، وما يعزز هذا الشيء هو أن الرئيس بوتين كان قد التقى بالرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أيام من التدخل العسكري المباشر. 

عدم توفر مضادات جوية لدى الثوار وضعف التسليح والتذخير، والسيطرة الجوية الروسية المطلقة كان له أثر كبير على الوضع الميداني بعد تدخل القوات الروسية بطائراتها الأحدث عالمياً والمزودة بأشد أنواع الصواريخ والقذائف فتكاً، وكانت نتائج هذا التدخل واضحة على الأرض حيث استطاعت القوات الروسية قلب ميزان الوضع العسكري على الأرض لصالح النظام وحلفائه على كافة الجبهات.

جرائم القوات الروسية في سوريا والموقف الدولي من هذه الجرائم: 

اقترفت القوات الروسية أبشع الجرائم بحق الإنسانية في سوريا وقد شملت جرائم القوات الروسية في سوريا: 

     تعمد قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين الأبرياء على امتداد الجغرافيا السورية.

    قصف المدارس والمشافي والمساجد والأفران.

    تسببت مع قوات النظام والقوات الإيرانية وحزب الله في نزوح أكثر من 4.5 ملايين إنسان من مناطق مختلفة.

    استخدام الذخائر العنقودية والقنابل الحارقة المحرمة دولياً بشكل عشوائي دون اتخاذ أية إجراءات لحماية المدنيين وبشكل متعمد [7] في مناطق يسكنها عشرات بل مئات الآلاف من الناس.

    ارتكاب مئات المجازر في جميع مناطق سوريا. 

لم تتّسم المواقف الدولية من الجرائم التي اقترفها الروس بأوامر مباشرة من بوتين بحق السوريين بالجدية، وفي كثير من الحالات لم نكن نسمع شجباً على الأقل، بل كان هناك تجاهل شبه كامل. عندما دمر الطيران الروسي الجزء الشرقي من مدينة حلب وعندما هجّر مليون إنسان من أرياف حماة وحلب وإدلب كانت المواقف الأميركية والأوروبية  حينذاك خجولة جداً، على عكس الوقت الحالي الذي نرى فيه أشد الإدانات ضد جرائم روسيا في أوكرانيا ونرى خطوات عملية لمقاومة العربدة الروسية في أوكرانيا حيث يتم تزويد الجيش الأوكراني بأحدث أنواع الأسلحة والذخائر التي تلحق أفدح الخسائر بالقوات الروسية، كما أن معظم الدول الأوروبية وأميركا قد فرضت عقوبات اقتصادية على روسيا. 

الخلاصة: 

روسيا ترى أن لها مصالح اقتصادية وعسكرية في سوريا، وتعتبر أن الحفاظ على وجودها على الأراضي والمياه السورية يفتح لها طريقاً سريعاً في منطقة الشرق الأوسط وإلى البحر الأحمر والمحيط الأطلسي. كما تعتبر روسيا أن تدخلها العسكري هو رسالة لكل من الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا بأنها قوة عظمى، وموجودة على الساحة الدولية ويجب أن تكون لاعباً فاعلاً يُؤخذ برأيه في القرارات الدولية. التدخل الروسي ما كان ليتم بهذا الشكل لولا التراخي الأميركي الظاهر وربما الضوء الأخضر من تحت الطاولة وإطلاق يد بوتين في سوريا، وما يؤكد هذه الشكوك هو التوقف عن تسليح قوى المعارضة وحرمانها قبل وقف تسليحها من المضادات الجوية والأسلحة والذخائر النوعية. 

القوات الروسية هي التي غيرت ميزان القوى بشكل كبير وساعدت النظام على استعادة مناطق واسعة كانت تحت سيطرة المعارضة، وقد ارتكبت في عدوانها على الشعب والأرض السورية مئات المجازر التي خلفت الآلاف من الضحايا المدنيين بينهم أطباء، ونساء، وأطفال. ودمرت مدناً وأحياء ومشافي ومدارس، وبنى تحتية وساهمت في تغيير ديموغرافي بتهجير أكثر من 4,5 ملايين إنسان، واستخدمت أسلحة وذخائر محرمة دولياً وخرقت القانون الدولي الإنساني دون أن نرى أو نسمع أية إجراءات جدية لوقف غطرستها في سوريا، ولم ترق انتقادات الدول التي صدّعت رؤوسنا بحقوق الإنسان إلى أكثر من تكرار الخبر في أحسن الحالات والمطالبة بحماية المدنيين وعدم تعريضهم للخطر دون شجب أو إدانة. عندما غزت روسيا أوكرانيا صَحَا الضمير الأميركي والأوروبي ولم تكتف الدول بالإدانات بل تجاوزتها إلى فرض عقوبات اقتصادية، وتقديم أحدث أنواع الأسلحة والذخائر وكل أنواع الدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي واللوجستي. طبعاً وبدون أدنى شك نحن ندين الجرائم الروسية التي ترتكب في أوكرانيا، وندين ما ارتكبه بوتين وجيشه في سوريا من جرائم وفظائع، وندين الصمت الدولي على تلك الجرائم. 


ها هي روسيا اليوم تغوص في الوحل الأوكراني وتُمنى بأفدح الخسائر وكل يوم تعرض على الشاشات صورا لعتادها المدمر وجنودها وجنرالاتها الأسرى -ومن بينهم من ساهم في قتل وترويع السوريين العُزّل- وأرتالها المتوقفة على الطرقات لنفاد وقود العربات بسبب السرقات والفساد الذي ينخر جيشها. أكثر من نصف مليون روسي هربوا من البلاد كي لا يذهبوا إلى الجيش، وبوتين يهدد بالنووي بسبب تدهور الحالة المعنوية لجيشه البائس وهذا دليل على الهزيمة والانكسار الذي سيؤدي إلى انتهاء عهد بوتين، وربما إلى تغير في الخريطة الروسية. لن يفلت المجرمون من لعنة دماء السوريين التي ستلاحقهم حتى في قبورهم. 


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :