إسماعيل جمال
عقب أشهر من التحضير والتلميح وتهيئة الأجواء العامة، قدّم كمال كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، إشارات وصفت بـ”القطعية” على نيته الترشح لمنافسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في منتصف يونيو/جزيران المقبل، والتي توصف بـ”الحاسمة”، والأهم والأصعب في البلاد، منذ عقود طويلة.
إشارات كليتشدار أوغلو لم تكن هي الأهم هذه المرة، وإنما طلبه الدعم بشكل مباشر من قيادات الحزب التي دارت تكهنات واسعة، طوال الأشهر الماضية، حول رغبتها في الترشح للانتخابات الرئاسية، وهو ما فتح الباب واسعاً مجدداً أمام التكهنات حول مدى قدرة “حزب الشعب الجمهوري” على التوافق حول مرشح رئاسي واحد، بالإضافة إلى مدى قدرة تحالف المعارضة على مرشح توافقي، حيث تتزايد التوقعات بتفكك تحالف “الطاولة السداسية”.
وتحالف “الطاولة السداسية” هو تجمع يضم 6 أحزاب تركية معارضة، أبرزها “حزب الشعب الجمهوري” العلماني، والجيد القومي، والشعوب الديمقراطي الكردي، والسعادة الإسلامي، وتأسس على مبدأ العمل المشترك على إنهاء حكم “حزب العدالة والتنمية” وزعيمه أردوغان، بالإضافة إلى إعادة تحويل البلاد من النظام الرئاسي إلى نظام برلماني مُطور، إلا أن الخلافات الأيديولوجية والسياسية الكبيرة بين أقطاب التحالف تثير شكوكاً واسعة حول قدرته على الاستمرار، وبشكل خاص قدرته على التوافق حول مرشح رئاسي واحد.
يستغل أردوغان الخلافات داخل “حزب الشعب الجمهوري”، ومعسكر المعارضة، حول المرشح التوافقي للانتخابات الرئاسية من أجل التشكيك بقدرة المعارضة على قيادة البلاد.
كليتشدار أوغلو يطلب الولاء
على الرغم من أن كمال كليتشدار أوغلو يقود “حزب الشعب الجمهوري” منذ عام 2010، وامتنع بإصرار عن خوض كل الانتخابات التي جرت في السنوات الـ12 الماضية، مرجحاً تقديم مرشحين آخرين من داخل أو خارج الحزب، إلا أنه بدأ في السنوات الأخيرة استراتيجية مغايرة تماماً عبر تغير تكتيكاته السياسية وتكثيف نشاطه الاجتماعي والسياسي، مقدماً نفسه المرشح الأبرز القادر على “هزيمة” أردوغان في الانتخابات المقبلة.
وفي الأسابيع الأخيرة، بدأ كليتشدار أوغلو وكبار مساعديه بتقديم إشارات قطعية على نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو توجه لا يوجد حول إجماع واضح داخل الحزب نفسه الذي ينتمي إليه أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، ومنصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة، واللذان قدما نفسيهما بطرق مختلفة كمرشحين أقوى يمتلكان القدرة على تحقيق نسبة أعلى من الأصوات وفرص أكبر للفوز في الانتخابات، مدعومين باستطلاعات رأي يوجد جدل واسع حول مدى دقتها.
ويستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخلافات داخل “حزب الشعب الجمهوري”، ومعسكر المعارضة بشكل عام، حول المرشح التوافقي للانتخابات الرئاسية من أجل التشكيك بقدرة المعارضة على قيادة البلاد، وقال في أحدث خطاباته: “مرشح تحالفنا قطعي وواضح هو رجب طيب أردوغان، ماذا عن مرشح المعارضة؟ هذا الفرق بيننا وبينهم، نحن لدينا استراتيجية واضحة وتوافق وهم يفتقدون إلى ذلك”.
وفي محاولة، على ما يبدو، لسحب هذه الورقة من جعبة أردوغان، طلب كليتشدار أوغلو من قيادات حزبه تأكيد ولائهم لترشحه، وقال في كلمة عامة: “سوف نجلب الديمقراطية والحرية إلى شعبنا، لكن يتوجب علي الآن أن أعرف: هل أنتم بالحقيقة معي؟ البعض لا يخرج له صوت، أرى أيضاً أن البعض يضر بنا بعلم أو بدون علم، الآن يتوجب عليكم اتخاذ قرار، هل سنهزم أعداء الشعب سوياً أم لا؟”.
هذا الخطاب الذي فسر على الفور بأنه موجه لقيادات الحزب التي لم تعلن سابقاً دعمها الواضح لترشح كلتشدار أوغلو للانتخابات الرئاسية، حيث سارعت هذه القيادات لتأكيد وقوفها إلى جانبه، وذلك في تطور اعتُبر الأهم والأبرز في مسار تحديد “حزب الشعب الجمهوري” لمرشحه للرئاسة الذي بات يميل بشكل شبه حاسم لكليتشدار أوغلو.
وكتب أكرام إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، عبر تويتر: “أنا بجانب رئيسنا تحت كل الظروف”، فيما كتب رئيس بلدية أنقرة منصور بافاش: “أنا بجانبك في كل وقت من أجل غد عادل ومستقبل هادئ”، كما كتب رئيس بلدية إزمير: “أنا بجانب رئيسنا من أجل تركيا مليئة بالعدل والسلام والأمل”.
تسعى المعارضة للتوصل إلى تفاهم على مرشح توافقي يخوض الانتخابات بشكل موحد ضد أردوغان منذ الجولة الأولى، إلا أن حجم الاختلافات يجعل من هذا الخيار شبه مستحيل واقعياً.
تماسك الحزب وتفكك التحالف
هذا التطور الأبرز في مسار اختيار مرشح توافقي لـ “حزب الشعب الجمهوري” اعتُبر خطوة كبيرة ومهمة، إلا أنه فتح الباب واسعاً أمام بدء النقاش حول الملف الأبرز والأوسع، وهو مدى إمكانية حصول توافق على كليتشدار أوغلو داخل معسكر المعارضة الأوسع، وليس فقط داخل الحزب، وهو استحقاق كبير ومعقد ونتائجه تحسم اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى درجة كبيرة.
وبينما كانت قيادات الشعب الجمهوري تغرد لتأكيد ولائها لزعيم الحزب، كانت قيادات من أحزاب المعارضة الأخرى تكتب حول استحالة التوافق على كليتشدار أوغلو، وهو الاستحقاق الذي يتوقع أن يطرح بقوة في الاجتماع المقبل لتحالف “الطاولة السداسية”، والمقرر في الثاني من الشهر المقبل بضيافة “حزب الشعب الجمهوري”، حيث تشير التكهنات إلى إمكانية بدء التحالف رسمياً بنقاش إمكانية اختيار مرشح توافقي.
وبدرجة أساسية، تسعى المعارضة للتوصل إلى تفاهم على مرشح توافقي يخوض الانتخابات بشكل موحد ضد أردوغان منذ الجولة الأولى، إلا أن حجم الاختلافات والخلافات الأيديولوجية والسياسية والحزبية والشخصية يجعل من هذا الخيار شبه مستحيل واقعياً.
أما الخيار الثاني، والأكثر واقعية، فيتمثل في التوافق على تقديم كافة الأحزاب مرشحها المستقل في الجولة الأولى من الانتخابات من أجل تشتيت الأصوات وجرّ الانتخابات لجولة ثانية يكون فيها أعلى مرشح حصل على أصوات الناخبين في الجولة الأولى المرشح الأول لخوض الجولة الثانية على أن يحصل على دعم كافة الأحزاب الأخرى.
ومع التطورات الأخيرة، ورفض أحزاب مهمة لترشيح كليتشدار أوغلو، يتوقع مراقبون إمكانية تفكك تحالف “الطاولة السداسية” قريباً، في حين يرجح آخرون أن تحاول المعارضة تجنب حصول تفكك وانقسام أوسع عبر التوافق على تركيز التنسيق على سحب الأغلبية البرلمانية من “العدالة والتنمية” في الانتخابات المقبلة، وخوض الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بشكل منفصل، على أن يتم التوافق في الجولة الثانية على المرشح الأوفر حظاً، وهو السيناريو الذي يبقى أكثر واقعية في ظل المعطيات الحالية.
المصدر: القدس العربي