الشأن السوري

سياسي

عن المكدوس ومؤسسات المعارضة السورية

الثلاثاء, 20 سبتمبر - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

الطريق- رضوان الأطرش


مع بداية شهر أيلول من كل عام، تنشغل الأسر السورية في موسم المكدوس، هذه الأكلة الشعبية التي تسكن كل البيوت السورية وكأنّها فردٌ من العائلة، يكون الباذنجان العمود الفقري فيها، بأنواعه المختلفة بالإضافة إلى زيت الزيتون، وبعض المكسرات حسب رغبة أهل الدار. وكي لا تحصل معارك جانبية، ومناوشات بين أفراد العائلة حول شكل وحجم الباذنجان؛ يتمّ إخضاع الأمر لاتفاق على معايير محددة تكاد تكون شبه اتفاق تام بين السوريين.

تخضع هذه الأكلة لمراحل متعددة، وأهم مرحلة هي الكبس والعصر كي تخرج المياه من الداخل، ويبقى فقط ما يصلح لإتمام العمل، وكأنّ هذا العصر والكبس اختبارٌ حقيقي عملي لما يصلح ولما يفسد منه، لينتقل بعدها للحفظ في مرطبانات خاصة تكون فيها قطع المكدوس قد وُضعت بشكلٍ متراص ومتلاحم مع بعضها البعض، منتظرة دخول فصل الشتاء كي تكون سبباً في لم الشمل العائلي، وكأن الأغلبية تهتف وتقول: "المكدوس يمثلنا". 

وبعد هذه المقدمة حول المكدوس وفتح شهية القارئ، نقول: ماذا لو أسقطنا معايير اختيار الباذنجان وطريقة صناعة المكدوس، على واقع الثورة السورية، بمعارضتها، وعلى جميع المؤسسات المنبثقة عنها؟

ألا نجدّ أن المعيار هو الحل، أو أحد الحلول التي يمكن من خلالها الوصول إلى لمِّ شمل العائلة الثورية، وسماع هتاف الجماهير بِ"يمثلني" بصدق وأمانة بعد خديعة التمثيل مرات ومرات؟ 

ولو ضربنا بعض الأمثلة عن غياب المعيار، لوجدنا أنفسنا نغوص في مستنفع الفشل والضياع.

نعم، كانت البداية من المظاهرات الشعبية، وتلك المرحلة أفرزت قادتها بشكل عفوي، وكان المعيار هو النشاط الثوري، والتفاعل مع كل مظاهرة والتواجد فيها، وتقديم ما يملكه كل ناشط من إمكانيات، مع التأكيد أنّ تلك المرحلة هي من أخطر مراحل الثورة السورية؛ بسبب الخوف القابع في القلوب منذ سنوات، وإمكانية اختراق الأمن السوري مع شبيحته للحراك الشعبي. 


وبعدها، بدأت مرحلة تنظيم مجالس قيادة الثورة، وكان المعيار قد نضج أكثر من خلال استقطاب رؤساء التنسيقيات الموافقة على فكرة تنظيم مجالس قيادة الثورة، وكانت محافظة إدلب سباقة في هذا التنظيم، حيث كان السابع من أيلول من عام 2012 هو ميلاد مجلس قيادتها، لتعمم الفكرة بعدها على المحافظات الثائرة حسب الظروف والإمكانيات الممكنة، مع تواجد أجسام أخرى ولدت عبر الواقع الافتراضي، ومنها الهيئة العامة للثورة السورية.

ليبدأ بعدها العمل على جسم جامع للثورة، وهو المجلس الوطني الذي بدأت فكرة تشكله شبيهة بفكرة المجلس الوطني في ليبيا، ولا نعلم حتى اليوم من هو صاحب المبادرة في تشكله. ورغم أنّ الجماهير قد خرجت حينها في جمعة المجلس الوطني يمثلني، كتعبير عن فرحها في ولادة بديل عن العصابة الحاكمة، إلا أنّ هذا المجلس افتقد في تشكله للمعيار الواضح وبروز تيار المعارضة على خط الثورة، التي لم تكن السبب في انطلاق شرارتها رغم تنظيمها المسبق، وتعاطف الشعب التّوّاق للحرية معها، وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين، والتيارات الأخرى التي لم تستثمر حادثة موت قاتلها ومشردها، حافظ الأسد، لينتظر الشعب سنوات بعدها حتى يفجر ثورته الشعبية. غياب المعيار هنا جعل أكثرية معارضة تتصدر المشهد، وأقلية ثورية كان هدفها استمرارية الحراك الشعبي، قبل أن يتحول إلى حراك عسكريّ ظناً من بعض المعارضين حينها أنّ طائرات حلف الناتو ستدمر الأسد في ليلة وضحاها، وبعدها شهدت الساحة الثورية ولادة مبادرة جديدة كان هدفها توسعة المجلس الوطني بشخصيات وكتل جديدة، مع بروز نسبة جديدة في التمثيل، على لسان أحد المعارضين في الدوحة حين حددها ب 67 للمعارضة وما تبقى للثورة، مع بروز غياب واضح للمعيار في التمثيل مع تدخل سافر من قبل مخابرات الدول. وبعدها، ولدت هيئة التفاوض السورية، لتشمل طيفاً أوسع من المنصات السياسية وفق قرار دولي حمل رقم 2254، وهنا كان معيار التمثيل نسبة كل منصة في هذا الجسم الوليد، فقط ليولد بعدها جسم هجين، وهو اللجنة الدستورية التي لا يوجد معيار عام لاختيار أعضائها، سوى ما خطط ونفذ له المبعوث الأممي ديمستورا، والذي يُفترض منه أن يلعب دور الوسيط، والميسر فقط.

بعد كل هذا العرض المؤلم، يتساءل أقل المتابعين للشأن الثوري، قائلاً:

لماذا يغيب المعيار الواضح في كل تشكيل ثوريّ، وهل هذا ناجم عن فشل تنظيمي أم عن سابق إصرارٍ وتصميم؟

الوسوم :