عدنان علي
مع تصاعد الضربات الإسرائيلية داخل سوريا، والتي باتت تغطي مجمل المناطق الخاضعة لسيطرة نظام بشار الأسد، بدأت تتعالى أصوات من داخل حاضنة النظام الشعبية، بما في ذلك العديد من الصحفيين والفنانين ورجال الأعمال، تتساءل عن مغزى عدم الرد على هذه الضربات، وتكيل الاتهامات للحليفين الروسي والإيراني، بالتقاعس، وربما التواطؤ مع الكيان الإسرائيلي.
وتتركز هذه الاتهامات على "الحليف" الروسي الذي يفترض أنه يمثل دولة عظمى، لها قوات في سوريا، تتضمن أنظمة دفاع جوي متطورة، ومن غير المفهوم بالنسبة لهم، ألا يتم مجرد تشغيل هذه الأنظمة خلال الغارات الإسرائيلية، بينما ذهب البعض إلى اتهام روسيا بتقديم إحداثيات لإسرائيل بشأن بعض الأهداف التي يتم ضربها. أما "الحليف" الآخر، أي إيران، فهو متهم بالتسبب في هذه الضربات، حيث يصر على أن تكون الأراضي السورية هي الممر وأحيانا المستقر، لتسليح حزب الله، دون أن يبالي بعواقب ذلك على جيش النظام ومرافقه التي تتعرض للقصف المتكرر، بما في ذلك مطارا دمشق وحلب.
لم يعثر النظام على الزمان والمكان المناسبين حتى الآن، لكنه بات يعتبر أن قصف المدن السورية مثل حلب وحمص ودرعا، هو رد على "أدوات إسرائيل" في الداخل
والذريعة التي تتردد دائما في أروقة النظام هي أننا لا نرد "حتى لا يستدرجنا العدو إلى حرب لم نختر نحن توقيتها وطريقة فتحها"، لذلك "نحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين". وطبعا لم يعثر النظام على الزمان والمكان المناسبين حتى الآن، لكنه بات يعتبر أن قصف المدن السورية مثل حلب وحمص ودرعا، هو رد على "أدوات إسرائيل" في الداخل، وهذا بالتالي جزء من الرد على إسرائيل نفسها.
ووفق ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" نهاية أب الماضي، فإن نظام الأسد كان طلب من إيران وميليشياتها منذ عام 2019، عدم الرد على الضربات الإسرائيلية تجنبا ل"مغامرة اندلاع حرب شاملة تعتبر فيه سوريا بأضعف حالاتها".
والواقع، أن نظام الأسد، ومنذ أن اختار تسخير كل قوته وطاقته العسكرية والسياسية، لمحاربة الحراك الشعبي ضده عام 2011، وما تلا ذلك من رهن سيادة البلاد، وقرارها المستقل للقوى الأجنبية التي استنجد بها لإنقاذه من السقوط، لم يعد يملك الكثير من الخيارات للرد على أي عدوان خارجي، ناهيك عن افتقاده أصلا لـ"الحس الوطني" الذي يدفع عادة القادة الوطنيين للرد على أي عدوان خارجي، حتى لو كان المعتدي أكثر قوة، ودليل ذلك أن سوريا تعرضت لضربات إسرائيلية عدة مرات في عهد بشار الأسد، قبل العام 2011، ولم يتم الرد على أي منها، بما في ذلك تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق قصر بشار الرئاسي في اللاذقية عام 2006.
وانطلاقا من هذا التوصيف، فإن النظام لا يجد غضاضة في استهداف منشآت سورية بحثية أو عسكرية أو مرافق خدمية مثل المطارات، بل يتحرج فقط من ضرب أهداف تمسه بالذات، وتهدد فرص بقائه على كرسي السلطة، وهو من هذه الناحية مطمئن إلى حد ما، حيث تشير التسريبات إلى وجود توافق مع إسرائيل على عدم المس بما يهدد بقاء النظام على رأس السلطة. وفي هذا السياق، قال رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي، اللواء عاميت ساعر، في مقابلة مع موقع "واللا"، نهاية نيسان الماضي، إن تل أبيب "ترسل باستمرار رسائل واضحة للغاية بأن عملياتها العسكرية في سوريا ليست ضد بشار الأسد، والأسد يدرك جيداً بأن إسرائيل ليست ضده، وإنما تستهدف الوجود الإيراني في سوريا، لذلك لا يرد على عشرات الهجمات التي نشنها".
ومن أجل تلطيف الصورة، وعدم التسبب بمزيد من الإحراج لروسيا، يقال إن ثمة توافقا أخيرا بين الروس وإسرائيل، على تجنب الهجمات الجوية التي تستخدم فيها الطائرات الحربية الإسرائيلية فوق الأراضي السورية، لذلك باتت إسرائيل تعتمد أكثر على الضربات الصاروخية عبر الجولان المحتل، أو عبر البحر، وفي حال استخدم الطيران الحربي، يكون ذلك دون الدخول في الأجواء السورية، أي من لبنان أو البحر، وأحيانا قليلة من جهة الشرق قرب قاعدة التنف الأميركية حيث لا وجود عسكريا لروسيا هناك.
وخلاصة الأمر، إن جميع الأطراف، بما فيها نظام الأسد، "متواطئة" على تواصل هذه الضربات التي تحظى أيضا بدعم أميركي وغربي. أما إيران، التي يفترض أن الضربات تستهدفها وميليشياتها، فهي تستخدم الأراضي السورية، لتمرير رسائل لأميركا والغرب في ظل التفاوض حول برنامجها النووي، وتوعز أحيانا لميليشياتها بإطلاق قذائف أو تسيير طائرات مسيرة باتجاه القواعد الأميركية شرقي سوريا، ضمن هجمات شكلية منضبطة، تتبعها ردود أميركية منضبطة أيضا، بحيث يخرج الجميع منتصرا، باستثناء الشعب السوري الذي بات رهينة لهذه القوى الخارجية التي تتصارع على أرضه، بالتواطؤ مع نظام "لا وطني" همه الأوحد البقاء في السلطة، ولا يبالي بما يحل في سوريا من خراب يحتاج إصلاحه إلى عقود.
المصدر: تلفزيون سوريا