إبراهيم ريحان
خلال الأيّام الماضية، سوّقَت وسائل إعلام روسيّة أنّ الرئيس فلاديمير بوتين يسعى لعقد لقاءٍ بين الرّئيس التركي رجب طيّب أردوغان ورئيس النّظام السّوري بشّار الأسد.
كثيرون هُم الذين خاضوا بتحليل هذا اللقاء، وكأنّه حصلَ اليوم، أو سيحصلُ غداً لا محالة. لكنّ أحداً لم يتوقّف عند المسألة الأهمّ، ألا وهي: "هل الأمر بهذه السّهولة؟"
لنبدأ من صاحب الفكرة فلاديمير بوتين، القابع منذ 7 أشهر في المُستنقع الأوكرانيّ. هُناك كان بوتين الذي غرِقَ بأحلام المعارك الحاسمة والأرض المحروقة يظنّ أنّه سيُحقّق في أوكرانيا نصراً سريعاً حاسماً مثلما حصل في حرقه للشّيشان سنة 1999 مروراً باجتياحه لجورجيا في 2008، وغزوه "الاستفتائيّ" لشبه جزيرة القرم سنة 2014 وصولاً إلى إحراق المُدن السّوريّة وتدميرها عن بكرة أبيها بعد التّدخّل الرّوسيّ في خريف 2015.
يعرفُ "سيّد الكرملين" أنّه يُحارب الغرب بكامله في أوكرانيا. أعني بذلك الولايات المُتحدة وبريطانيا وفرنسا تحديداً. ومن يعرف الخريطة السّوريّة جيّداً، يجد أنّ خصومَ بوتين يجتمعون على دعم "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" ذات الغالبيّة الكُرديّة، وهنا بيت القصيد.
يريد بوتين أن يعقدَ "مصالحةً"، يظنّها سهلةً وسريعة، بين الرّئيس التّركيّ ورأس النّظام السّوريّ. هدفه الوحيد هو محاربة النّفوذ الغربيّ في سوريا، والمُتمثّل بالقوّات الكرديّة. يلعب "فلاديمير" على وتر القلق التّركيّ من نفوذ الأكراد في منطقة الشّريط الحدودي مع سوريا، ويعتقد أنّه إذا جمَع أردوغان والأسد فإنّه يضرب عدّة عصافير بحجرٍ واحد.
الأوّل: يضرب النّفوذ الغربيّ ويُحلّ مكانه قوّات النّظام السّوريّ، والتي بدورها تزيد من المساحة التي تُسيطر عليها في سوريا لاستثمارها لاحقاً في أيّ نقاشات مُستقبليّة.
الثّاني: يُحاول أن يفكّ عزلة النّظام السّوريّ، إذ إنّ تركيا هي أكبر دولة إقليميّة في الجوار السّوريّ. وبهذا يُحاول بوتين أن يستعيد شرعيّة إسلاميّة وإقليميّة لنظام الأسد، خصوصاً أنّ الرّئيس التّركيّ كان من أشدّ المُطالبين بتنحّي رئيس النّظام السّوريّ.
الثّالث: أن يحاول تحييد الدّور التركيّ الدّاعم للمُعارضة السّوريّة، وبالتّالي يرسّخ دور روسيا في الإقليم.
كذلك يعلم بوتين أنّ الرّئيس التركي سيخوض معركة الانتخابات الرئاسيّة بعد أشهر. هُنا يراهن بوتين على أنّ هذه الخطوة ستُسكِت مُعارضي الرّئيس التركي وتُساعده في انتخاباته الدّاخليّة.
لكن في الوقت عينه، فإنّ الرّئيس التركي قد لا يجد مصلحةً سيّاسيّة، خصوصاً أنّ سقفَه العالي في وجه النّظام ومطالبته بتنحّي الأسد ودعمه الكامل للمُعارضة السّوريّة على مدى 11 عاماً ليسَ سهلاً التنازل عنه في يومٍ وليلة، أو نزولاً عند رغبة بوتين.
يُضاف إلى الكلمات القليلة الموقف الأميركيّ من التطبيع مع النّظام السّوريّ، والذي تربطه واشنطن بانسحاب إيران وميليشياتها من سوريا.
هُنا، أغلب الظّنّ أن أردوغان سيكتفي في عدم مُمانعته التنسيق الأمني القائم بين أنقرة ودمشق منذ سنة 2020 عبر نائب رئيس النّظام للشؤون الأمنيّة علي مملوك ورئيس الاستخبارات التّركيّة حاقان فيدان. لم تتعدَّ هذه اللقاءات حدود تطوير اتفاق أضنة 1998. وهذا بالطّبع ليسَ حديثاً سيّاسيّاً.
لننتقِل إلى دمشق. هُناك الأمر مُختلف. لن يجد الأسد بدوره سهولةً في تسويق التطبيع السّياسيّ خصوصاً مع الاتهامات التي وجّهها النّظام السّوريّ لتركيا في العقد الأخير. كذلك فإنّ الأسد سيجدُ إحراجاً أمام أركان نظامه في تطبيع سيّاسيّ مع تركيا التي تضمنُ أمن السّوريين في منطقة تزيد مساحتها على 20 ألف كلم مربع. يُضاف إلى ما سلف أنّ الأسد، بعكس بوتين، لا يرغب في أن يرى أردوغان يتربّع على عرش ولايةٍ رئاسيّة جديدةً.
سيكثر الحديث في المُستقبل القريب عن تطبيعٍ سيّاسيّ بين أنقرة ودمشق. لكنّه حتّى السّاعة لا يخرج عن كونه تمنّيات روسيّة تصطدمُ بعقبات داخليّة في تركيا وسوريا. وإن لم أبالغ في الوصف، فإنّه ربّما يُشبه إشاعات التطبيع القطريّ مع دمشق، والتطبيع السّعوديّ مع دمشق التي نسمع بها من 2016 ولم نرَ حتّى اليوم إلّا عكسها تماماً..
وفي الختام لا أقول إلّا إنّها السّياسة أمّ المُفاجآت وأمّ التّقلّبات..
المصدر: تلفزيون سوريا