الطريق - رضوان الأطرش
كتب الدكتور مصطفى حامد أوغلو مقالاً حمل عنواناً استفزازياً يقول فيه "ماذا لو صالحت تركيا الأسد!"
مستعرضاً في المقال الواقع الحالي، وخاصة بعد تصريحات القيادة التركية الأخيرة، وبعد الانفتاح التركي وتجديد العلاقات، وحل الخلافات مابين تركيا والسعودية، وتركيا ومصر، مؤكداً أنّ العلاقات تبنى على المصالح لا على العواطف، ومردداً القاعدة الذهبية التي تقول "لا توجد خصومات دائمة بين الدول ولا صداقات دائمة، بل هناك مصالح دائمة".
مؤكداً أنّ مثل هذا السيناريو ليس الخيارَ الأول لتركيا على الأقل، لكنه ليس الخيار المستحيل، فعلم السياسة لا يعرف مثل هذه المستحيلات.
موضحاً مبررات هذا الاحتمال، وماهي الظروف والمصالح التي قد تجعل تركيا تنحو مثل هذا التوجه وتصل لمثل هذه القناعة.
موجهاً هذا السؤال المنطقي للسوريين المعترضين على هذا الاحتمال بجميع شرائحهم.
داعياً السوريين إلى مراجعة حقيقية، وقراءة نقدية ذاتية مع عمل ورشات فردية وجماعية لإيجاد حلّ أو رؤية منطقية للخروج من المأزق الحالي، بعد أن حمّل السوريون تركيا أسباب ماوصلوا إليه، إثر ابتعاد القيادة التركية عن مطالبها السابقة وخطوطها الحمراء التي لم تستطع الإيفاء بها.
وفي الوقت نفسه يحمّل صاحب المقال المعارضةَ السورية فشل التواصل مع المعارضة التركية التي هي بدورها تضع اللوم على القيادة التركية في سياساتها الخاطئة بالتعاطي مع الملف السوري، وخاصة ملف الوافدين إلى تركيا،
مؤكداً على هشاشة الوعي الفكري والسياسي عند السوريين -على الأقل في تلك المرحلة- وحجم مرض التعويل على الغير، وارتفاع درجة التفكير العاطفي الخيالي؛ بسبب تحميل تركيا وزر ماصلوا إليه، مستعرضاً التحديات التي تقف أمام تركيا داخلياً وخارجياً حتى تجعلها "قد" لا تستبعد مثل هذا السيناريو!
ومن هذه التحديات:
1-التراجع الدولي عن الاهتمام بقضية الشعب السوري.
2- الاحتلال الروسي لسورية وبناء القاعدة الروسية بطرطوس والهيمنة على حوض البحر المتوسط.
3-البعبع المخيف والسيناريو الأسوأ لتركيا وهو تقسيم سورية، وقيام الدويلة الكردية.
4- الوضع الداخلي التركي السياسي والاقتصادي، حيث تفيد استطلاعات للرأي في تركيا بأن 46.3% من الأتراك يؤيد التواصل مع نظام الأسد، وحل القضية السورية مقابل 36.1% ليسوا مع ذلك.
5-وهو بيت القصيد، ومربط الفرس كما يقول المثل، والذي يتمثل بفشل المعارضة السورية السياسية والمدنية بإدارة الملف السوري بشكل يخفف الحمل التركي، ويعطي البديل الذي يمكن التعويل عليه، ودعمه أمام العالم الخارجي.
صحيح أنّ أعداء الشعب السوري كانوا كثراً والعالم كله تآمر عليهم، وأمريكا لم تُرد إسقاط الأسد، وروسيا منعت سقوطه، وصحيح أنّ القضية السورية خرجت من أيادي السوريين منذ فترة طويلة، نظاماً ومعارضة، لكن كل هذا لا يعفي السوريين من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبوها - ولايزالون - بحق أنفسهم وثورتهم وبلدهم وشعبهم.
وأكبر دليل على فشلهم تشرذم المعارضة، وعدم وجود الرؤية الواضحة، وعدم امتلاكهم خارطة طريق متفق عليها، وعدم وجود الممثل الذي يقود الثورة والشعب ويوجههما وينال ثقة ودعم وتأييد الشارع له.
فبدون أبناء البلد الأصليين لا يمكن لأي قوة خارجية أن تجد حلاً أو موطئ قدم على المدى القريب والبعيد، وهذا يحمّل السوريين مسؤولية ترتيب بيتهم الداخلي بدون تدخل وإملاءات الخارج، حتى يستعيدوا زمام الأمور ويكونوا عنصراً مؤثرا وفاعلاً لا هامشياً أو مجرد منفذٍ لما يقرره الآخرون نيابة عنهم.
أمام كل هذه الضغوطات والتحديات والتغيرات، تبحث تركيا عن الجهة التي تستطيع منع تقسيم سوريا، والحفاظ عليها موحدة ضمن حدودها الحالية؛ لأن عدم تقسيم سوريا يعني إسقاط السيناريو الأخطر الذي يهدد أمن وبقاء تركيا.. ومن ثم يأتي الحديث عمّن سيحكم وكيف سيحكم سوريا.
لكن السؤال الأهم هنا كمحصلة لهذا المقام، هو أين أصحاب الدم وأصحاب الثورة من هذه السيناريوهات والاحتمالات، ولو كانت مجرد عصف ذهني!؟
أمام هذه الصرخة التي جاءت من خلف أسوار الثورة، هل يستطيع الشعب السوري امتلاك زمام المبادرة من جديد، وأن يضع في حسبانه مصلحته دون مصلحة الآخرين، أو على الأقل بالتوافق معهم، وهل يستطيع الشعب الثائر إيجاد هويته المفقودة ويتعامل مع الوسط الدولي بلغة المصالح لا العواطف، وأن يضع أهدافاً قابلة للتحقيق ويبتعد عن الإبحار في فضاء الخيال اللامنتهي.
آملُ ألّا تقف الصرخة، وأن تلقى آذاناً مُصغية؛ لأنّ الثورة كما الوطن ليست بخير.