صحافة

قواعد الاشتباك الدبلوماسية والعسكرية لأنقرة في سوريا

الجمعة, 12 أغسطس - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

عبدالله الموسى 


أسدلت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بشأن لقائه وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد الستار عن مرحلة الخطوط الحمراء القديمة للعلاقة بين الجانبين والتي استمرت عشرة أعوام، لتحدد أنقرة الآن قواعد الاشتباك الدبلوماسي والعسكري مع النظام في سوريا. 

وكشف جاويش أوغلو يوم أمس في مؤتمر صحفي في أنقرة عن لقاء جمعه بالمقداد في اجتماع دول عدم الانحياز ببلغراد في تشرين الأول من العام الفائت 2021، ورغم أنه حاول الاستخفاف به بوصفه كان "على الهامش قبل العشاء، ولم يكن هذا لقاء خاصاً، لقد كان محادثة عادية. بخلاف ذلك، لم يكن هناك اتصال". إلا أن هذا اللقاء العابر السريع كان سابقة من نوعها على المستوى الدبلوماسي بعد أن كانت اللقاءات تنحصر بالمخابرات فقط. 

وتلقى السوريون صدمة بحديث جاويش أوغلو عندما قال "علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم... يجب أن تكون هناك إدارة قوية لمنع انقسام سوريا، والإرادة التي يمكنها السيطرة على كل أراضي البلاد لا تقوم إلا من خلال وحدة الصف". 

يمكن استيضاح مقاصد أنقرة عند الاطلاع على تصريحات جاويش أوغلو في سياقها الكامل: 

حاول جاويش أوغلو التقليل من أهمية "اللقاء العابر والهامشي" مع المقداد، وصحيفة "تركيا" كشفت يوم الثلاثاء الفائت عن جهود دبلوماسية لمصر والإمارات لعقد اتصال هاتفي بين أردوغان والأسد، وخفت وتيرة التهديدات بالعملية العسكرية المرتقبة بعد قمة طهران الأخيرة، مع استمرار الحديث عن ضرورة إعادة السوريين خلال عام بحسب وزيرة الأسرة التركية، وما سبق كل ذلك من إعادة أنقرة ترتيب علاقاتها مع دول الخلافات القديمة، والاستقطاب الشديد في الشارع التركي قبل الانتخابات وزج ملف الوجود السوري في خضم كل هذا الصراع الداخلي.

لم يتحدث وزير الخارجية عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإنما عن إمكانية التواصل لإيجاد حل سياسي للملف السوري، لكن تصريحاته أثارت مخاوف من أن تكون تمهيداً للبدء بعملية التطبيع أو على الأقل ترك الباب مفتوحاً للنظام لتقديم ما لديه على الطاولة، الباب الذي كان مغلقاً على مدار 10 سنوات. 


نفى وزير الخاجية التركي إمكانية حدوث اتصال بين أردوغان وبشار الأسد، وقال إنه غير وارد حالياً، وهو من الطبيعي أن يكون الحدث الأخير في حال دخلت أنقرة والنظام في عملية تفاوضية. وترك سقف التواصل عند المخابرات لضرورات أمنية أو إمكانية استفادة أنقرة من النظام في مواجهة "قسد" و"حزب العمال الكردستاني". وقال جاويش أوغلو: "بوتين والمسؤولون الروس قالوا لنا منذ فترة طويلة (دعونا نوصلكم بالنظام)، وأراد الروس أن يلتقي الأسد ورئيسنا أردوغان إلا أن رئيسنا قال إن الاجتماع بين أجهزة المخابرات فقط سيكون مفيداً، ولذلك كان هناك لقاء بين أجهزة المخابرات لفترة. الآن بدأت مرة أخرى. تتم مناقشة قضايا مهمة في هذه الاجتماعات".

جاء حديث جاويش أوغلو عن المصالحة بين المعارضة والنظام بناء على "وجود وطنيين في الجانبين" بحسب وصفه، وجاء في سياق حديثه: "تركيا تواصل حربها ضد الإرهاب على الأرض في سوريا، لكن صيغة أستانا جاهزة للحل من خلال الدبلوماسية والسياسة في سوريا، علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم". 

وبالتالي أكد جاويش أوغلو على استمرار الوجود العسكري التركي داخل سوريا واستمرار عمليات مكافحة التنظيمات التي تصنفها إرهابية، وفي الوقت ذاته استعدادها لتفعيل مسار أستانا المجمّد منذ أعوام، وهذان خطان متوازيان منذ بدء المسار عندما تناقش أنقرة مع طهران وموسكو ملف الإرهاب وجهود مكافحته بشكل مشترك على ضفتي الفرات، والتركيز ينصب على هيئة "تحرير الشام" و"قوات سوريا الديمقراطية"، وهما تنظيمان تستخدمهما موسكو وأنقرة للضغط على بعضهما البعض عسكرياً. وهكذا لا جديد في هذا الربط الدبلوماسي العسكري، وإنما الجديد اعتراف أنقرة بوجود وطنيين في صف النظام، وهذا ما يدعو للاستغراب من إمكانية التعويل على هؤلاء، في حال تم التسليم بوجودهم في الأساس.

أشار جاويش أوغلو إلى ضرورة اتخاذ خطوات فيما يتعلق بإعادة البناء، وقال: "لا أحد يريد المساعدة في إعادة الإعمار من دون وقف إطلاق النار والسلام. وهذا يشمل الاتحاد الأوروبي والفاعلين المهمين في العالم وكذلك المجتمع الدولي. لذلك تبذل تركيا قصارى جهدها، لكن أساس كل هذا هو وقف إطلاق النار. وبالطبع سنكثف عملنا في هذا الاتجاه". وهنا تأكيد على ضرورة استدامة وقف إطلاق النار، باعتباره الخطوة الأولى لـ "السلام" ومن ثم إعادة إعمار سوريا التي تعيق محاولات التنمية سواء لدى تركيا في شمال غربي سوريا أو في مناطق سيطرة النظام، وهذا ما يمكن ربطه بزيارة رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى سوريا لحلب وحمص وحماة منذ أيام للمرة الأولى منذ عام 2011، وخطة الحكومة التركية لإعادة مليون ونصف المليون سوري إلى شمالي سوريا وما يترتب على ذلك من كلفة باهظة ومصاريف لاحقة ليتمكن هذا العدد الكبير من العيش وتتمكن المنطقة المكتظة بخمسة ملايين نسمة من استيعاب هذا العدد.

لا تنفصل دعوات إعادة الإعمار عن جهود حزب العدالة والتنمية لتخفيف الاحتقان في الشارع عليه ومحاولاته الاستجابة لمطالب ترحيل السوريين، وهذا ما سبب قلقاً واسعاً لدى السوريين في تركيا بعد التضييقات الأخيرة وحملات توقيف السوريين من قبل الشرطة ودائرة الهجرة التركية. لكن في الوقت نفسه ستعمل المعارضة على استثمار أي تطبيع محتمل في التذكير بعشرات الجنود الأتراك الذين قتلوا وأصيبوا على يد النظام وحلفائه في قوات سوريا الديمقراطية. 

يمكن تفسير تصريحات جاويش أوغلو كما فعل بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين السوريين المرتبطين بأنقرة، على أنها مناورة سياسية في التعامل مع المطالب الروسية والإيرانية بعد قمة طهران، وهو ما أثار غضبا واسعا ضد وجهة النظر هذه لدى الناشطين والسياسيين السوريين، لكن الأكيد أن لقاء حصل على مستوى وزيري خارجية وأن أنقرة تأمل بوجود وطنيين في صف النظام لبناء حكومة مشتركة مع المعارضة السورية. 


من المستبعد أن تتجاوب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع أي تطور في مسار أستانا لتزيل الفيتو عن إعادة الإعمار، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة للدور والوجود الأميركي في سوريا وعدم تطرق جاويش أوغلو إليه، وهو ما لا يمكن تجاوزه، بدليل أن العملية العسكرية التركية ضد "قسد" لم تحصل على ضوء أميركي أخضر وهذا ما دفع أردوغان للقاء بوتين في طهران. 


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :