صحافة

هذا الصراع على السلطة والزعامة في العراق

الخميس, 11 أغسطس - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

عمر كوش 


يعيش العراق على وقع أزمة سياسية واجتماعية حادّة، وذلك في إطار الصراع المحتدم على السلطة والزعامة بين زعيم التيار الذي يُدعى باسمه، مقتدى الصدر، ورئيس الوزراء العراقي الأسبق والأمين العام لحزب الدعوة الإسلامي، نوري المالكي، الذي يتزعم ما يسمى "الإطار التنسيقي"، الممثل لتجمع قوى سياسية شيعية شديدة الولاء للنظام الإيراني. 

واحتدم الصراع على السلطة بين الطرفين في العراق، أخيرا، وذلك بعد خسارة أحزاب الإطار التنسيقي وقواه أغلبيتها البرلمانية في انتخابات العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لصالح كتلة "سائرون" التابعة للتيار الصدري، وإعلان الصدر عزمه تشكيل "حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية"، أي أنها لا تخضع لنفوذ إيران، ولا لنفوذ الولايات المتحدة، لكنه فشل في الحصول على الأغلبية البرلمانية الكافية من أجل تحقيق ذلك، نتيجة ممانعة "الإطار التنسيقي"، فأوعز إلى نواب كتلته البرلمانية بتقديم استقالتهم، الأمر الذي فتح الباب أمام "الإطار التنسيقي" للالتفاف على نتائج الانتخابات البرلمانية، ومحاولة اختيار رئيس الحكومة العراقية الجديدة. 

ودخلت تسريبات منسوبة لنوري المالكي على خط الصراع بينه وبين الصدر، والذي يمتدّ إلى عدة سنوات خلت، لتعلن دخول علاقاتهما مرحلة قصوى من التأزّم، حيث سُمع كلام منسوب للمالكي يوضح فيه نيته اقتحام مدينة النجف والتخلّص من الصدر، إضافة إلى وصفه الصدر بأنه "جاهل ولا يفهم في السياسة شيئاً"، وبما يوحي أن المالكي و"الإطار التنسيقي" لن يسمحا للصدر بتولي الزعامة السياسية الشيعية، فيما فهم الصدر، في المقابل، بأن هناك قوى تريد كسر إرادته، وليس ثني ذراعه فقط، وبالتالي، دخل هو ونوابه وأتباعه في لعبة التحدّي مع أحزاب الإطار التنسيقي وقواه، فنزلوا إلى الشارع بالتظاهرات والاعتصامات، واجتاحوا مكاتب الحكومة والبرلمان في المنطقة الخضراء. وردّت عليهم أحزاب الإطار التنسيقي وقواه بمظاهرات ومسيرات مضادّة خارج المنطقة الخضراء، وبالتأكيد على عزمها المضي في تسمية محمد شياع السوداني رئيسا جديدا للوزراء. 

وبالنظر إلى أن تظاهرات الطرفين ومسيراتهما مدعومة من مليشيات الحشد الشعبي وسواها، وبعضها مدجّج بسلاح كثيف، وإلى زيادة منسوب الاحتقان والتوتر في الشارع العراقي، فإن الأمور قد تنفتح على مسارات خطيرة، تهدّد بجرّ العراق إلى مزيد من مزالق العنف والفوضى، خصوصا في ظل تواصل الأزمة السياسية الخطيرة في العراق منذ أكثر من تسعة أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية، والتي فازت فيها كتلة الصدر بأغلبية نيابية (73 من أصل 329)، لكنّها لم تتمكّن من تشكيل حكومة، بالرغم من ائتلافها مع قوى سنّية وكردية، وتشكيل ما عًرف بالتحالف الثلاثي، وذلك لأن أحزاب الإطار التنسيقي وقواه تمكّنت من منعها، عبر الضغوط التي مارستها، والدور المعطّل الذي لعبته في البرلمان العراقي، وأفشل تحقيق النصاب القانوني لعقد جلسة يتم فيها اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزرائه. 

ويقف الشارع العراقي حائراً في أمره حيال ما يحدُث في شوارع بغداد وساحاتها، وخصوصا الناشطين الذين خرجوا في تظاهرات واحتجاجات في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019 ضد القوى والأطراف نفسها التي تستخدم حالياً احتجاجات الشوارع في إطار صراعها على السلطة والزعامة في العراق، ولا تتعرّض لأي عقاب من أحد، بل إن تظاهراتها واعتصاماتها محمية من قوى أمنية مسلحة، وتؤمن للمتظاهرين زجاجات المياه والطعام، بينما يتهم ناشطون عراقيون القوى الأمنية والمليشيات الشيعية نفسها بقتل مئات من متظاهري عام 2019 من دون أن تنال أي عقاب.

وفي إطار استمالة قوى شعبية إلى طرفه، يحاول الصدر التوجّه بخطابه عن "التغيير الجذري" و"الإصلاح" إلى الشعب العراقي، لكي يحثّه على دعم احتجاجات أنصاره، لكن نشطاء عراقيين كثيرين يشكّكون في جدية واستمرارية تبنيه مثل هذه الأفكار، حيث أصدر تجمّع لناشطين بياناً وقعته "قوى تشرين"، اعتبروا فيه أن "التجارب العديدة بين الشعب والتيار الصدري خلَّفت فجوة تحتاج إلى ردمٍ جاد وحقيقي، فضلاً عن تذبذب القرارات القيادية للتيار وعدم وجود خريطة طريق واضحة للاحتجاجات الحالية"، وذلك رداً على دعوة الصدر إلى الانخراط في الاحتجاجات، وذكّر البيان بأن "مطالب الصدر كانت الهدف الذي خرجَ لأجله الشعب في انتفاضة تشرين/ أكتوبر عام 2019، ولم تتحقق بفعل وحشية النظام واندساس الأحزاب في صفوف المتظاهرين". وطالب البيان الصدر باتخاذ موقفٍ واضح "من مطالب تغيير النظام والدستور"، وأن "يتعهد لأبناء الشعب بمحاسبة الفاسدين جميعاً بمن فيهم فاسدو التيار الصدري". 

ويعتبر ناشطون عراقيون كثيرون المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية مع الصدر مجازفة غير محسوبة العواقب، بالنظر إلى عدم استبعاد إمكانية أن تنتهي احتجاجات أنصار الصدر في حال اتفاقه مع أحزاب وقوى "الإطار التنسيقي" على تفاهمات معينة، لذلك لن تغامر تيارات مدنية وقوى أخرى بالخروج إلى الشارع ومساندة الصدر، لأنها تخشى ببساطة أنها في حال مشاركتها مع الصدر في الاحتجاجات، فإن لا شيء يضمن انقلابه عليها أو محاولة تهميشها لصالح تنفيذ أجندته. 

ويبدو أن الحماسة قد فعلت فعلها مع الصدر، حين اعتبر أن ما قام به أنصاره "ثورة شعبية حرّرت المنطقة الخضراء"، و"لا بد لها أن تستمر حتى تغيير النظام السياسي برمته، وتغيير الدستور"، في حين أن القاصي والداني يعلمان أن أنصار تياره خرجوا بناء على توجيهاته، وأنهم لن يتأخروا في مغادرة المنطقة الخضراء وسواها، والعودة إلى بيوتهم، إذا أطلق مجرّد تغريدة على موقع تويتر أو حتى إذا أشار عليهم بإصبعه. كما أن تغيير النظام السياسي يتطلب وضع تصوّر للبديل، بينما ما يجري في الساحة الخضراء وما حولها لا يتعدّى مجرّد صراع على السلطة في العراق، وعلى زعامة البيت الشيعي فيه، ومن سيفوز بقراره. 

ولعل الخلاف على زعامة البيت الشيعي العراقي يتداخل مع الصراع السياسي على السلطة فيه، حيث يمثل حزب الدعوة ومعه أغلب القوى الموالية لإيران اتجاهاً يقرّ بولاية الفقيه الإيراني، ويجد مرجعيته الدينية في مدينة قم، إضافة إلى أنه يؤمن بعدم وجوب انتظار ظهور الأمام الغائب من أجل إقامة دولة شيعية إسلامية، وأنه يجوز شرعاً إقامتها خلال غيبة الإمام. أما الاتجاه الآخر والمخالف له، الذي يمثله التيار الصدري وبعض القوى الأخرى، فهو يجد مرجعيته الدينية في مدينة النجف، ولا يقرّ بولاية الفقيه أو سواها، حيث يركّز على نشر المذهب الشيعي في العراق، أي أنه يركّز على التوجّه المحلي، ولا يطمح إلى إقامة دولة شيعية إمبراطورية. وبناء على ما تقدّم، ليس الصراع بين الصدر والمالكي شخصياً فقط، بالرغم من أن مقتدى الصدر لن ينسى ما حدث في البصرة عام 2008، حين هاجمت قوات المالكي مدعومة من الولايات المتحدة قواته وأنصاره، لأن الصراع الحالي في العراق بين الصدر والمالكي صراع على السلطة السياسية والزعامة، وله امتدادات وارتباطات سياسية واسعة في داخل العراق وخارجه. 


المصدر: العربي الجديد

الوسوم :