صحافة

الصّدر - المالِكي: صراعُ القويَّين في البيت الشّيعي

الثلاثاء, 2 أغسطس - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

إبراهيم ريحان 


كم يُشبه العراق روسيا. هذه مُعادلة ليسَت من عبث. فقد أثبتَ التّاريخُ أنّ أرضَ الرّافديْن تُشاطر روسيا بأمر واحدٍ واضحٍ ألا وهو "حُكم الرّجُل القويّ". 

لم يُحكَم العِراق، كما هو الحال في روسيا، إلّا بتجربة الرّجل القويّ. ليسَ الحجّاج بن يوسُف الثّقفيّ ولا صدّام حُسيْن إلا نموذجاً عن طبيعة الحُكم الذي ينطبقُ على العراق. أمّا في روسيا، فتكفي المُقارنة بين فترتيْ حُكم جوزيف ستالين وفلاديمير بوتين مع حُكم يلتسن. 

لا أحد هُنا يدعو للدّيكتاتوريّة، إطلاقاً. لكنّ هذه المُقاربة توصِلُ المُراقب إلى هذه النتيجة الحتميّة، ليفهَمَ أكثر عُمقَ الصّراع بين زعيم التّيّار الصّدريّ مُقتدى الصّدر ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. 

الفارق الوحيد اليوم، أنّ "القويَّين" في العراق هُما خارج الحُكمِ الفعليّ والمؤسّسات، وهذا ما يُساهم في هدمِ أركان الدّولة هُناك. 

يعلَم مقتدى الصّدر، الذي فاز بأغلبيّة شيعيّة مُتفوّقاً على قوى "الإطار التنسيقي" المدعوم من إيران، أنّ العراق لا يتّسع له ولنوري المالكي في وقتٍ واحد. وهذا الأمر أيضاً يعلمه "نوري"، وعن تجربةٍ مع مُقتدى الصّدر. 

اختارَ الصّدرُ الخروج من مجلس النّوّاب باستقالة أعضائه الفائزين. لم تطل إقامة التيّار الصّدري خارج المجلس طويلاً. فقد استعاض عنهم بمُناصريه الذين احتلّوا المجلس برمّته مرّتيْن خلال أيّام قليلة، ولكن لا يُريد "مُقتدى" من هذه الخطوة إلّا التصادم مع نوري المالكي ليقول له: "الأمر لي". 

إذ جاءَت استقالة الصّدريين من المؤسّسة التشريعيّة العراقيّة بعد محاولات عديدة قام بها الصدر للتفاهم مع "الإطار التنسيقيّ" الذي ينضوي تحته كلّ القوى والميليشيات الشّيعيّة الموالية لتمرير الاستحقاقات الدستورية. 

أُحبِطَت المساعي بسبب الرّفض القاطع الذي أبداه زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي يرفضُ رفضاً لا جِدَال فيه تولّي "جماعة الصّدر" رئاسة الوزراء، وبالتّالي القرار الأول داخل البيئة الشيعيّة العراقيّة. 

كان المالكي واضحاً في "تسجيلاته" بضرورة الاعتماد الكامل على العُنصُر الإيراني في أيّ "معركة" مُتوقّعة مع الصّدريين. إذ يريد أن ينقل التورط الإيراني بالساحة العراقية من المستوى السياسي والأمني إلى المستوى العسكريّ في القِتال داخل البيت الشّيعي. 

كان هذا الأمر جليّاً في كلامه عن تأمين الغطاء الدينيّ والسياسيّ من إيران لإراقة الدماء، في معركةٍ لن يتردّد زعيم "دولة القانون" في اللجوء إليها لتصفيّة حساباته مع الصّدر، وإن اضطرّ لاقتحام مدينة النّجف. 

كشفت هذه التسجيلات حقيقة المعركة الدائرة داخل القوى الشيعية، وأبعادها الشخصية بينه وبين الصدر. وأنه على استعداد للذهاب بعيداً من أجل استغلال الفرصة التي أتاحتها استقالة نواب الكتلة الصدرية لعودته إلى موقع القرار على رأس السلطة التنفيذية. والخطوات التي يمكن أن يلجأ إليها لتثبيت سلطته وسطوته. 

ليست مصادفة أن يقتحم الصّدريّون المجلس النّيابيّ بعد أيّامٍ من فضيحة "تسجيلات المالكي" التي كشَف فيها عن استعداده للذّهاب نحوَ مواجهة دمويّة في الشارع لإخراج التيّار الصّدريّ وزعيمه من المعادلة السّيّاسيّة. 

فالصّدرُ هو الآخر لم يتردّد يوماً في إعلان موقفه السلبيّ غير القابل للنّقاش من ترؤسِ المالكي لأيّ حكومة في العراق. 

اختارَ الطّرفان اليوم تصفية حسابهما العالق منذ سنة 2007 وما بعدها. إذ لم ينسَ العراقيّون يوماً المعارك التي قادها نوريّ المالكي في أثناء رئاسته للوزراء ضدّ التّيّار الصّدريّ وجناحه العسكريّ "جيش المهديّ" والتي ذهب ضحيّتها المئات، وربّما الآلاف في أصدقِ صورة تعبّر عن الشّرخ والنّزاع على زعامة البيت الشّيعيّ في العراق. 

تُراقبُ إيران، ولا تريد التّدخّل اليوم. ليسَ حبّاً بالعراق وأهله، بل تجنّباً لأيّ صراعٍ مع الولايات المُتحدة على أرض الرّافديْن، في إطار التّفاهُم غير المُعلَن بين طهران وواشنطن هُناك منذ ولادة حكومة مُصطفى الكاظمي. كما أنّ هُناك رأياً في بلاد الملالي يُشجّع الحفاظ على استقرار العراق باعتباره مدخلاً لتعزيز التّفاهم مع دول الجوار العربيّ والتّعاون مُستقبلاً. 

يؤكّد هذا الرّأي أيضاً موافقة إيران والسّعوديّة على إجراء حوارهما في بغداد. إذ يسير الكاظمي والحوار الذي يرعاه على شعرة دقيقة، لا يريدها أحد أن تنقطع في ظلّ الحرب الروسية - الأوكرانيّة، ومعها انتكاس هيبة القانون الدولي. والملف الإيراني المفتوح على طاولة الاتفاق النووي. يُضاف إليها مشكلات العراق الكثيرة من بطالة وفقر وأسعار وجفاف. ليظهر إليه اليوم مُبارزة القويَّين في السّياسة والشّارع.

الوسوم :