صحافة

هواجس الأردن

الثلاثاء, 26 يوليو - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

عدنان علي 


لا يخفي الأردن هواجسه مما يجري على حدوده مع سوريا، لجهة حركة التهريب النشطة للمخدرات والأسلحة إلى داخل أراضيه. ورغم بروز مؤشرات على حدوث تراجع في تهريب المخدرات الشهر الماضي، نتيجة ما قيل عن اتفاق جرى بين الجانبين الأردني والإيراني خلال اجتماع عقد مؤخراً في العراق، إلا أنَّ هذا لا يزيل قلق الأردن من الوضع المضطرب على الحدود. 

وفي تعاملهم مع هذه المخاوف توزع المسؤولون الأردنيون الأدوار. وبينما لا يكف الملك عبد الله الثاني عن التحذير من المخاطر الكامنة في نشاط الميليشيات المرتبطة بإيران على حدود بلاده، تولى رئيس الحكومة ووزير الخارجية إطلاق التصريحات المهدئة مع إيران، والتي تدعو للحوار وتسوية الخلافات سلميا. 

والواقع أن هذه السياسة، أي محاولة إمساك العصا من المنتصف، ليست جديدة في تعامل الأردن مع المشكلات الخارجية التي تواجهه، كما المشكلات الداخلية، حيث تتميز السياسات الأردنية بقدر من العقلانية، وتحاول الابتعاد عن الحلول الصدامية أو التصعيدية. 

ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه السياسة المزدوجة، يمكن أن تكون نافعة مع قوى منفلتة كتلك التي تسيطر على الجنوب السوري، والمسنودة من دول وأنظمة ماكرة، لا تلتزم عادة بالعهود والمواثيق، ولا يمكن الركون إلى أي اتفاق معها. 

ويقول المسؤولون الأردنيون إنهم عقدوا عشرات الاجتماعات مع الجانب السوري خلال السنوات الأخيرة من أجل "ضبط الحدود"، لكن بلا جدوى على أرض الواقع، حيث كلام الليل يمحوه النهار، والسبب ببساطة، هو أن القوى التي تعبث بالجنوب السوري ليست ذات مرجعية واحدة، والمركز في دمشق لا يسيطر تماماً على تلك القوى، وخاصة الميليشيات التي تدار من جانب إيران، فضلاً عن النفوذ الذي تتمتع به إيران على التشكيلات الآنية والعسكرية للنظام نفسه، وخاصة الأمن العسكري، والفرقة الرابعة، أقوى تشكيلين من جهة النظام في الجنوب. 

ومن جهة أخرى، فإن "المركز" نفسه سواء في دمشق أم طهران، لا يضمر الخير للأردن، ويريد منه فقط مواصلة فتح معبر نصيب واستئناف جهوده لتعويم النظام عربياً، وليس عنده في المقابل، ما يقدمه للأردن، وهو وإن تراجع "تكتيكياً" في حركة تهريب المخدرات، فإنه لن يتخلى عن هذا "الكنز" الذي يدر عليه مئات الملايين سنوياً، يذهب جزء منها لتمويل حزب الله وتشكيلات النظام العسكرية، وجزء آخر إلى جيوب القائمين على تلك التشكيلات والمشرفين على هذه التجارة، ومن هم أعلى مستوى منهم في دمشق. 

ومن المعتقد أن أموال المخدرات باتت هي المصدر الرئيسي لدخل النظام وتشكيلاته الأمنية والعسكرية. وبالتالي، فإن التراجع عن التهريب باتجاه الأردن، ومنه إلى دول الخليج العربي، إن حصل فعلا، هو إجراء مؤقت بانتظار العثور على منافذ بديلة، وفي حال لم يعثروا عليها، سوف يعاودون نشاطهم باتجاه الحدود الأردنية، حيث نقلوا بالقرب منها العديد من مصانع (مكابس) إنتاج حبوب الكبتاغون، التي عمدت مؤخرا إلى تصريف إنتاجها في الداخل السوري، وخاصة محافظتي درعا والسويداء، وهو ما يفسر تصاعد عمليات استهداف العاملين في هذه التجارة من جانب جماعات محلية مسلحة في الجنوب السوري أخذت على عاتقها التصدي لهذا التخريب المتعمد للأجيال الجديدة على أيدي إيران ووكلاء نظام الأسد. 

والخلاصة أنّ الأردن قد لا يستطيع مواصلة سياسة إمساك العصا من المنتصف، فلا يريد إغضاب النظام وإيران، بينما يشكو من نشاطهما التخريبي على حدوده. والدعوات التي يطلقها بين الفينة والأخرى لتنسيق الجهود العربية في مواجهة الأخطار المشتركة التي مصدرها إيران، لن تكون جدية بما فيه الكفاية، طالما أنها لا تستند إلى سياسة واضحة وحازمة إزاء هذه المخاطر، ولا تتردد في مواجهة هذا العبث والتخريب من جانب نظام الأسد وحليفته إيران، ووكلائهم على الأرض.

لقد خذل الأردن فصائل المعارضة التي واجهت النظام حين اجتاح درعا عام 2018، وحاول بعد ذلك التقرب من النظام عبر فتح معبر نصيب والترويج لفكرة إعادة إدماجه في المنظومة الإقليمية، لكنه لم يجن من وراء ذلك سوى تصاعد كبير في تهريب المخدرات عبر حدوده، ثم تهريب السلاح أيضا، بقصد إثارة القلاقل داخل الأردن نفسه، كوسيلة للضغط عليه، وإرهاب قيادته في تعاملها من الشأن السوري. 

واليوم يتوجب على الأردن إعادة النظر في سياساته غير المجدية إزاء ما يجري على حدوده، والشأن السوري بشكل عام، وأن يكف عن الرهان على نظام الأسد الذي ما زال يعتبر الأردن شريكا في "المؤامرة" ضده، فضلا عن فقدان النظام الكثير من عناصر التحكم بقراره السيادي، لصالح إيران وميليشياتها، إضافة إلى روسيا التي تنصلت من التزاماتها في الجنوب السوري منذ أن تخلت عن صنيعتها "اللواء الثامن"، وجعلته تحت قيادة المخابرات العسكرية التابعة للنظام. 


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :