محمود سمير الرنتيسي
مع أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة تم الترتيب لها طويلاً على أنها زيارة تاريخية ومهمة إلا أن عيون زعماء المنطقة بقيت شاخصة على طريقة الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتركها لطالبان، وكذلك السنوات الأخيرة من التراجع الواضح عن الدفاع عن ما يسمون بحلفاء واشنطن في المنطقة.
لقد تحرّكت دول المنطقة عملياً من خلال عمليات مصالحة وتطبيع فتم إنهاء الخلاف الخليجي مع قطر، كما بدأت مصالحة تركية إماراتية ومصالحة تركية مصرية ومصالحة تركية سعودية وعلى الجانب الآخر كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي أحد المستفيدين من هذا الوضع حيث بدأت بتوثيق علاقاتها وتطبيع وإعادة التطبيع لبعض العلاقات.
وبالطبع من بين الدول التي كان دورها بارزاً في معظم عمليات التطبيع والمصالحات هي تركيا التي بدأت صفحة جديدة مع السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل وأرمينيا.
في هذا السياق جاءت الحرب في أوكرانيا والتي أعادت شيئاً من الاعتبار للمنطقة التي تصدر بعض دولها جزءاً مهماً من النفط والغاز العالمي أو على الأقل جزءا مهما في تحقيق نوع من الاستقرار في الأسواق العالمية. وربما لو لم تكن الحرب في أوكرانيا قد وقعت لرأينا اهتماماً أقل من إدارة بايدن بالشرق الأوسط. وهنا أيضاً تلعب تركيا دوراً مهماً من خلال الوساطة حيث ترتبط بعلاقات جيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا مقارنة بدول أخرى.
بالطبع كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي والسعودية محطتَي زيارة بايدن للمنطقة، ولم تكن تركيا ضمن هذه الزيارة، ولم تكن تركيا من ضمن المدعوين من رؤساء المنطقة للقمة التي عقدها بايدن حيث حضرت دول الخليج الست ومصر والأردن والعراق.
وكذلك الحال لم تكن تركيا محطة في زيارة الرئيس السابق دونالد ترامب الأولى للمنطقة، ولهذا يتذكر الأتراك زيارة أوباما في 2009 لإسطنبول في أول زيارة له لبلد إسلامي وكذلك إلقاؤه للخطاب الشهير في جامعة القاهرة في ذات العام، ويمكن لأماكن زيارات الرؤساء الأميركان أن تشير إلى تغير الأوضاع في المنطقة، وذلك واقع إسرائيل مستثناة منه بالطبع سواء لدى الديمقراطيين أو الجمهوريين.
يعتقد أو يبرر الأتراك الزيارة بأنها متعلقة بإقناع السعودية بزيادة إنتاج النفط وذلك من أجل تحسين الوضع الاقتصادي في الداخل الأميركي خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، والأمر الآخر هو تعزيز وضع إسرائيل في المنطقة وهو أيضاً أمر مرتبط بالانتخابات الأميركية مع أن بايدن كتب مقالة حول أسباب ذهابه إلى المنطقة منها أهمية المنطقة والطاقة وأمن المنطقة والوقوف ضد الصين وروسيا.
تستفيد تركيا من انخفاض أسعار النفط حيث إنها بلد مستورد للطاقة، ولكن بالتأكيد سيكون لديها مشكلة في مثل هذه الزيارة التي تلمح للقيادة الجديدة للمنطقة المتمثلة في إسرائيل في القمة وبعدها مجموعة دول خليجية، حيث تعمل زيارة بايدن تحت غطاء التكامل وإنشاء هيكل اقتصادي وأمني بين إسرائيل وبعض الدول على تعزيز القيادة الإسرائيلية.
مع ذلك يعتقد جزء من الأتراك أنه قد يكون صعباً أن يجمع بايدن إسرائيل مع دول المنطقة وخاصة مصر والأردن والعراق على التحالف في جبهة واحدة ضد إيران، وهذه الصعوبة تنبع من الصورة الحاضرة لانسحاب واشنطن من أفغانستان والوضع الحالي في أوكرانيا والذي لم يحسم بعد، بالإضافة إلى الصعود الصيني وتطور بعض علاقات دول المنطقة مع الصين. فضلا عن أن ترامب والذي بدا أقوى من بايدن فشل في مثل هذه التجربة. من جهة أخرى تخشى دول الخليج أن تكون هي الأداة والضحية في أي مواجهة إسرائيلية مع إيران.
يمكن أن نقول إن الأتراك يعتقدون أن زيارة بايدن الأخيرة لم تحقق الكثير من النتائج ولن تؤدي إلى علاقات أميركية أقوى مع دول المنطقة.
بالطبع على المقلب الآخر وبعد زيارة بايدن بأيام لإسرائيل والسعودية التقى كل من أردوغان وبوتين ورئيسي في طهران، والتي هي بالطبع استمرار لمسار أستانا وليس حلفاً مناوئاً ولكن تشكل هذا الإطار كان مؤشراً على تراجع الدور الأميركي في سوريا في نهاية فترة أوباما وامتد بعد ذلك.
يعتقد الأتراك أن المحاولات الدبلوماسية الأميركية الحالية والتي لا ترى لتركيا دوراً مهماً ليست إلا مضيعة للوقت. ولا يعتقد الأتراك أن واشنطن قادرة على حل مشكلات المنطقة.
المصدر: تلفزيون سوريا