الطريق- أحمد عبد الرحمن
اضطر أبو أحمد 52 عاماً، مزارع في ريف حماة الشمالي، لتسليم محصوله من القمح إلى حكومة النظام بالسعر الذي حددته فور حصاده؛ خوفاً من مصادرته وخسارته بشكل كامل كما حدث مع غيره في حال أراد الاحتفاظ به أو تخزينه لمدة من الزمن ثم بيعه في السوق السوداء.
يقول المزارع الخمسيني خلال حديثه مع "الطريق": إن القرار الذي اتخذه كان خاطئاً؛ حيث تعرض لخسائر كبيرة بعد أن سرقت المؤسسة العامة للحبوب 1300 كغ من مجمل وزن محصوله البالغ 5 طن من القمح القاسي أثناء تسليمهم إياه. وعند سؤاله عن السبب، تبين أن ذلك نتيجة استثماره أرض أخيه المطلوب أمنياً والمتواجد خارج البلاد منذ سنوات "يعني فوق الموت عصة قبر، ما بيعطوك حق الرزق إلا على دفعتين وتلاتة ومن جهة تانيه عم يخصموا من الأوزان على كيفهم وخاطرهم".
وكانت عدة مصادر من المنطقة ذاتها قد نقلت لـ "الطريق"، أن حكومة الأسد خصصت دوريات أمنية مع بداية موسم الحصاد، مهمتها أن تجوب المناطق المزروعة بالقمح بهدف معرفة الأراضي وترويع أصحابها وإجبارهم على بيع محاصيلهم للمراكز التي خصصتها لاستلام المحاصيل من المزارعين مطلع حزيران/ يونيو الفائت، تحت التهديد بالمصادرة وفرض غرامات مالية، بالإضافة لنشر دوريات طيارة (متنقلة) على الطرقات الرئيسية لمنع تهريب القمح بين منطقة وأخرى.
غرامات بالملايين للمخالفين
تعرض أحد مزارعِي بلدة مورك شمالي حماة، للاعتراض من قبل دورية أمنية على الاوتستراد الدولي قرب بلدته أثناء نقل محصول القمح من أرضه باتجاه منزله بعد الانتهاء من الحصاد، وأكد مصدر مطلع على الحادثة "فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب خاصة" أن قوات النظام احتجزت السيارة وحمولتها مع فرض غرامة مالية بلغت 35 مليون ليرة سورية، بحجة عدم وجود ورقة مصدقة من الجهات المعنية تخولهم بنقل المحصول من مكان إلى آخر، أو إلى المراكز التي خصصت لاستلام القمح، وأن السائق تحت السن القانوني واحتجزت المركبة وهي متجهة شمالاً.
وأوضح المصدر أن خسارة المزارع تتجاوز قيمة الغرامة، وهذا ما جعله يقدم حلولاً بالتنازل عن المحصول الذي ينتظره منذ العام الفائت بشكلٍ كامل، مقابل إلغاء الغرامة وفك احتباس مركبته، إلا أن مليشيا الأسد رفضت ما تقدم به لتجبره على دفع الغرامة ثم بيع محصوله لهم.
اتخذت قوات النظام هذه الإجراءات الصارمة مع المزارعين ضمن مناطق سيطرتها، بعد تحديد تسعيرة القمح لهذا العام بـ 2000 ليرة سورية لكل كيلو غرام من النوع الأول، ما دفع قسماً كبيراً منهم للتفكير بتخزين محاصيلهم ثم بيعها للتجار في السوق السوداء؛ لأن التسعيرة المحددة لن تدر عليهم أي مرابح.
لا مرابح من هذا الموسم
يقول مأمون، 29 عاماً، لـ "الطريق": إن ثمن المحروقات والبذار والأسمدة والأدوية والمبيدات الحشرية ارتفع إلى الضعف، ناهيك عن أجور الحصاد والحراثة واليد العاملة التي ليس من الممكن أن تعوضها تسعيرة وزارة الزراعة المحددة لشراء القمح من المزارعين هذا العام.
وأوضح الشاب في حديثه أنه اضطر لسقاية محصوله بالأجرة عن طريق جيرانه الذين يملكون بئراً ارتوازياً يعمل على الكهرباء، نتيجة امتناع حكومة النظام عن تزويد المزارعين بكامل مخصصات السقاية من مادة المازوت، لافتاً إلى أن سعر الليتر الواحد وصل في السوق السوداء إلى أكثر من 5000 ليرة سورية، لتأتي الوزارة وتحدد سعر كيلو غرام القمح بألفي ليرة فقط، دون تقدير الكلفة التي ترتبت على المزارعين، وهذا أمر غير معقول ولا مقبول، بحسب تعبيره.
الجدير ذكره أن حكومة النظام السوري قدمت عدة تسهيلات لمزارعي القمح في مناطق سيطرته؛ منها أكياس لتعبئة إنتاجهم، ودفع تكلفة آليات الحصاد دون مقابل للبعض منهم، وذلك بهدف الاستحواذ على أكبر كميات من المحصول. كما رفعت سعر شراء الكيلو إلى 2000 ليرة سورية بعد أن كان 1500 ليرة في الموسم الماضي، إلا أنه واجه انتقادات واسعة من المزارعين؛ لأنّ التسعيرة لا تغطي تكاليف الإنتاج.
وكان وزير الزراعة بحكومة النظام، حسان قطنا، قد أعلن في وقت سابق أن إنتاج العام الحالي قد يصل إلى 5 ملايين طن من الحبوب المتنوعة بما فيها القمح، ومن المتوقع أن تغطي نسبة لا بأس بها من الاحتياج الغذائي، بحسب قوله.
وبين مدير الإنتاج النباتي في الوزارة، أحمد حيدر، أن المساحات المحصودة من محصول القمح بلغت حتى تاريخ اليوم الثالث من الشهر الجاري 588533 هكتاراً، موضحاً إلى أن الكميات المسوقة بلغت 444863 طناً إلى المؤسسة العامة للحبوب، و31184 طناً للمؤسسة العامة لإكثار البذار، بينما تجاوزت مساحات الشعير أكثر من 172654 هكتاراً، وتم تسويق 652 طناً لمؤسسة إكثار البذار.