صحافة

حماس.. كالمستجير من الرمضاء بالنار

الأربعاء, 29 يونيو - 2022

محمد الشوا 


رغم أن فلسطين والقدس والأقصى لها قدسية في الوجدان العربي والإسلامي، وتأتي رمزيتها بما تختزنه من بعد ديني وروحي وحضاري، إلا أنه لا يجوز فصل القضية الفلسطينية عن التحديات والتهديدات التي تواجه الأمة وتحاول تغيير هوية المنطقة العربية ديمغرافيا ومذهبيا، بل وحتى تهديدها وجوديا، بمنطق احتلالي استيطاني إحلالي مدعوما من القوى الدولية أو الإقليمية، كما هو الحال بالنسبة للكيان الصهيوني وإيران في صراعهما مع العالم العربي. 

فلأن طبيعة الاحتلال وأدواته وأذرعه العسكرية والأمنية، وحلفائه من أنظمة وكيانات سياسية تتشابه إلى حد كبير، من هنا لا يمكن نزع القضية الفلسطينية من مجالها ومرجعيتها العربية، لتسليمها إلى المرجعية الإيرانية وحلفائها في المنطقة، كالنظام السوري الذي هو من أكثر الأنظمة متاجرة بالقضية الفلسطينية وكذلك إيران. 

إن إعلان "حماس" عودتها إلى بيت الطاعة السوري واستجداءَها المهين والمذل للتوسط عند حلفاء النظام السوري كإيران وحزب الله، لهي أكبر خطيئة ترتكبها حماس بحق نفسها وبحق القضية الفلسطينية. فهذا تنازل عن شرعيتها الأخلاقية، بل وعن الجوهر الأخلاقي الذي يجعل من قضية فلسطين قضية إنسانية عالمية.

وفي هذا السياق نقل موقع "المونيتور" عن مسؤول إيراني قوله يوم الأربعاء 3 من نيسان، "أن إيران تتوسط بين النظام السوري و"حماس" منذ عام 2017 مشيراً إلى أن العديد من الاجتماعات جمعت قادة إيران وحماس لتحقيق هذا الهدف"، وأضاف مسؤول رفيع المستوى في الحركة، فضل عدم الكشف عن هويته لوكالة "فرانس برس" أن الاتصالات مع سوريا في تحسن وفي طريق عودتها بالكامل إلى ما كانت عليه "فيما نقلت الوكالة عن قادة في الحركة أن "حماس اتخذت قرارا بالإجماع لإعادة العلاقة مع سوريا". 

وتعد زيارة إسماعيل هنية إلى لبنان أمنية بامتياز تأتي في سياق التخطيط والتنسيق مع حزب الله، لخلق جبهة عسكرية ضد إسرائيل تكون إيران مرجعيتها القيادية. إذ تؤكد هذه التحركات لحركة حماس وإصرارها لإعادة العلاقة مع النظام السوري في هذا التوقيت، بأن إيران وراء كل ما يجري وهي من أمر حماس بهذا التحرك. 

فزيارة هنية تؤكد وجود مسار إقليمي فوق الدولة وعابر لها، وإعلانه من لبنان عن ولادة جبهة أو تمتين لجبهة مواجهة، هو إعلان عن أن لبنان لا دولة فيه، هو ساحة تنظيمات وميليشيات لا بلد قانون وسيادة. بل هو بلد تختطفه ميليشيا "حزب الله" بقوة المال والسلاح الإيراني ويتخذ قرار السلم والحرب فيه بأوامر الولي الفقيه، فسياستهم تقول إما أن نحكم أو نعطل كما هو الحال في العراق ولبنان. 

ربما تجادل حماس بأن إسنادا سياسيا ولوجستيا كانت السلطة في دمشق تؤديه للحركة، وكان له أثر في تصلب عود المقاومة في غير موقعة كفاحية ونضالية. وهو أمر يصب في صالح المشروع الوطني الفلسطيني، هذا إذا افترضنا أن النظام السوري هو نظام "مقاوم" ولكن الحقيقة خلاف ذلك لأنه تاجر بحركات المقاومة ليعطي نفسه شرعية مزيفة بأنه النظام العربي الوحيد "الممانع" في المنطقة الذي يدافع عن القضية الفلسطينية. 

استفاد النظام السوري من "حركة حماس" وغيرها من فصائل المقاومة ليسوق نفسه سياسيا وإعلاميا، أكثر مما استفادت هذه الحركات منه، واستطاع توظيف القضية الفلسطينية داخليا لاكتساب شرعية سياسية و"أخلاقية" لأنه لا يملكها أساسا. ولكن حماس نسيت أو أصلا لا تملك من أمرها شيئا بسبب ارتهانها للأجندة الإيرانية، بأن النظام السوري لم يعد كما كان سابقا، فهو مثلها لا يملك من أمره شيئا، وحاله اليوم كما لا يخفى على أحد، حطام سلطة تستأسد على شعبها بما تملك من أدوات السيطرة والقهر والتغلب. إذن إن المغنم الوحيد الذي قد تناله "حماس" من هذه العودة للنظام السوري، هو رضا طهران وحسب. 

إذا كانت حماس لا يعنيها الدم السوري، ولا يعنيها ما فعله نظام المجازر والمذابح والكيماوي والبراميل المتفجرة وآلاف الصورة المسربة للمعتقلين من الشعب السوري التي يندى لها جبين الإنسانية جمعاء، إذا كان كل ذلك لا يمثل شيئا لحركة "المقاومة الإسلامية"...!!! أفلا يستفزها الدم الفلسطيني والجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق المخيمات الفلسطينية في سوريا، فقد أوردت "مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا" في تقريرها، أن هذا النظام قتل أكثر من ثلاثة آلاف لاجئ فلسطيني في سوريا، منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس/ آذار 2011 إلى يونيو/حزيران 2018 ووثقت المنظمة الحقوقية الفلسطينية، في تقرير لها أصدرته منتصف إبريل/ نيسان الفائت، مقتل 548 فلسطينيا تحت التعذيب في معتقلات نظام الأسد وسجونه، من أصل 1748 فلسطينيا محتجزين فيها.

هل بات قادة حماس وبالأخص الجناح المؤيد لإيران والساعي لإعادة العلاقة مع النظام السوري، كهنية والسنوار والزهار وأسامة حمدان وغيرهم، على قناعة بأن تحرير القدس والأقصى والطريق المؤدي إليهما لا بد أن يمر ببغداد ودمشق وحلب وبيروت وصنعاء، ويكون على أشلاء وجماجم الشعوب العربية، وتهجيرها واقتلاعها من أرضها التاريخية، والإتيان بمستوطنين جدد من شذاذ الآفاق وفرق الموت الطائفية العابرة للحدود، التي عاثت في الأرض فساداً. 

هذه الخيارات والمواقف السياسية التي تؤكد عليها "حماس" وتسعى للوصول إليها مع نظام القتل والإجرام في سوريا سيفقدها شرعيتها الوطنية كحركة مقاومة في الداخل الفلسطيني، لأنها انحازت إلى مشروع إقليمي يستهدف كيان الأمة ووجودها ومستقبلها، وسيفقدها شرعيتها الأخلاقية عند الشعوب العربية والإسلامية، ويتضح أن حماس فقدت البوصلة، بل فقدت رشدها وصوابها السياسي، وحسها الأخلاقي والإنساني. 

فهي عندما تستجير بإيران وحليفها الأبرز في المنطقة النظام السوري، لمقاومة إسرائيل وتحرير أرضها من الاحتلال، ينطبق عليها ما قالته العرب قديماً "كالمستجير من الرمضاء بالنار". 


المصدر: تلفزيون سوريا