سمير صالحة
كشف استطلاع رأي لإحدى أهم المؤسسات التركية قبل أيام عن نجاح حزب "ظفر" الذي يقوده الأكاديمي التركي، أوميت أوزداغ، في اختراق جدار الصوت الشعبي والحزبي في تركيا، من خلال وصوله إلى نسبة 4% من مجموع أصوات الناخبين الأتراك. يقول أوزداغ إن الأرقام الحقيقية لشعبيته تجاوزت 7%، وهي النسبة التي اعتمدها البرلمان التركي في مطلع شهر إبريل/نيسان المنصرم بعد التصويت على مشروع قانون يخفّض الحد الأدنى المطلوب من الأحزاب لدخول المجلس التشريعي إلى 7% بدلاً من 10%. وقيل وقتها إن بين أهداف هذه الخطوة تسهيل بقاء حزب الحركة القومية اليميني، حليف حزب العدالة والتنمية (الحاكم) داخل البرلمان، بعدما تراجعت أصواته في العامين الأخيرين. هذا إلى جانب هدف شرذمة أصوات أحزاب المعارضة التركية، عبر فتح الطريق أمام الأحزاب الصغيرة للترشّح بشكل مستقل، بعيداً عن الاندماج في الأحزاب الكبرى التي قد تزيد من نسبها، ما يعرقل تفرّد "العدالة والتنمية" بتصدّر المشهد.
إذا صحّت هذه المعلومات، يكون أوميت أوزداغ وحزبه قد نجحا، بعد أشهر معدودة على التأسيس والانطلاقة، في تحقيق إنجاز سياسي كبير، وتسجيل رقم قياسي في الصعود الحزبي والشعبي، بالمقارنة مع أحزاب تركية صغيرة أخرى، مثل حزب أحمد داود أوغلو "المستقبل" وحزب علي باباجان "دواء" أو حزب إمام قره موللا أوغلو "السعادة" التي تنشط منذ سنوات طويلة لزيادة نسب أصواتها من دون نتيجة. وتقول أقلام تركية إنّه يستمد شعبيته من أصوات الناخب اليميني والقومي، وإنه سيأكل، بالدرجة الأولى، من صحون المعارضة في تركيا. وأبرز المتضرّرين هم حزب "أيي" الذي تقوده ميرال أكشنير، والذي نجح خلال العامين الأخيرين في رفع شعبيته، والوصول إلى المرتبة الثالثة بين الأحزاب التركية، ثم حزب "الحركة القومية" اليميني، بقيادة دولت بهشلي، وبعدها حزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني.
إلى هنا والمسألة شبه عادية، في أن يحقق أحد الأحزاب هذه الإنجازات بسبب مواقفه وطروحاته التي تنتقد خطوات وقرارات سياسية كثيرة، تتبناها قيادات "العدالة والتنمية" داخل تركيا وخارجها. لكنّ الملفت والمقلق لكثيرين داخل تركيا وخارجها ربما هو المادّة الأساسية التي يعتمدها أوزداغ في حملاته الدعائية، وهي موضوع اللجوء، وتحديداً اللاجئ السوري، وضرورة إعادته إلى بلاده بأسرع ما يكون عبر التواصل مع النظام في دمشق، والعمل على إيجاد تسوية سياسية عاجلة للأزمة السورية أولا. ثم تحرّكه ثانيا بشكل مباشر على الأرض في المناطق والأماكن الحساسة، حيث كثافة وجود اللاجئين في المدن الكبرى، وهو يردّد أن تركيا تنفق المليارات على الملايين من السوريين داخل الأراضي التركية وفي شمال سورية من جيوب الشعب التركي، وضرورة إيجاد حلّ يساهم في تخفيف أعباء الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها البلاد، وربما يكون ذلك في طليعة أسباب صعود حزبه السريع.
يعرف الأكاديمي والسياسي اليميني، أستاذ العلاقات الدولية في أنقرة، أوميت أوزداغ، بميوله وتوجهاته القومية والأتاتوركية، وهو التحق بأكثر من حزب وحركة ومركز فكر يميني قومي، لكنّه لم يستمر طويلا تحت مظلة تلك الحركات، فقرّر، قبل تسعة أشهر، تأسيس حزبه المستقل، والذي يروّج الأفكار والطروحات التي يتبنّاها، ويدافع عنها، وفجّرت نقاشات سياسية وإعلامية واسعة في الداخل التركي. تصل شعبيته على "تويتر" إلى مليون ونصف مليون متابع اليوم، ويحظى، حسب كثيرين، بدعم الناخب التركي في المدن الكبرى، مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير.
مشكلة الأحزاب المنافسة قد تكون مع انتقاله، خلال فترة قصيرة، إلى عمق الأناضول، وإلى المدن الحدودية التركية السورية والتركية الإيرانية والتركية البلغارية اليونانية، إذ تتقاطع طرق دخول اللاجئ، الشرعي وغير الشرعي، إلى تركيا وخروجهما منها. هناك مدن بالغة السخونة، وتعاني كثيراً في هذه المسائل، وفي مقدمتها غازي عنتاب وأضنه وهطاي وفان وقارس، وهي قد تفتح أبوابها أمام ما يقوله ويريده أوزداغ. يقول بعضهم إنه يخاطب المواطن بلغته، ويضرب مباشرة على الوتر الحسّاس الذي يوجعه. هو لا يتردّد في ترشيح رئيس بلدية أنقرة، منصور يواش، المحسوب على حزب الشعب الجمهوري، اليساري المعارض، لأنه الأوفر حظا والأكفأ بين بقية المرشّحين لمنافسة أردوغان.
يقول إن حزبه لن يذهب وراء لعبة التحالفات مع بقية الأحزاب في هذه المرحلة. هم يريدون أن ينجزوا عملية التوغل والانتشار الحزبي والشعبي أولاً، وبعدها يتعرّفون إلى وزنهم وثقلهم السياسي، ليحدّدوا استراتيجية تحرّكهم في المرحلة المقبلة.
دخل في أكثر من سجال سياسي مع القيادات الحزبية التركية، آخرها وأشدها التصعيد والتراشق الكلامي مع وزير الداخلية، سليمان صويلو، بعد تبادل اتهامات حول الملف السوري وتفاعلاته في الداخل التركي، لتكون النتيجة إعلانه "سنرسل ثمانية ملايين طالب لجوء إلى وطنهم في غضون عام من وصولنا إلى السلطة مع أكبر مشروع عودة في التاريخ" وتحرّك "العدالة والتنمية" وراء خطة تفعيل المنطقة الآمنة في شمال سورية، وتسهيل عودة مئات الآلاف إلى أراضيهم للرد عليه وإيقافه.
قيل له قبل أيام، وهو يعد نفسه للتوجه إلى إحدى الجامعات التركية الخاصة لإلقاء محاضرة، إن هناك احتمال رشقه بالبيض من طلاب يرفضون دخوله حرم الجامعة، بسبب مواقفه وسياساته المتشدّدة في موضوع اللجوء، فقال خلال المحاضرة "أتيت جاهزا أنا أيضا. أحمل معي في جعبتي بيضا للرد على من سيحاول استهدافي، وهو سيكون أكثر إيلاماً لأنّه مسلوق". يقول لأنصاره ومؤيديه في إحدى ساحات حيٍّ أخذ نصيبه الكبير في استقبال اللاجئين: "مهما هاجمونا واتهمونا بالعنصرية والراديكالية لا تعبأوا بذلك، ولا تفجروا غضبكم في الشارع، بل في الصناديق".
صحيحٌ أن من الصعب اليوم على حزب "ظفر" الاقتراب من الأحزاب الرئيسية التركية الكبرى. وصحيح أنه لم يكمل عملية التأسيس والانتشار في غالبية المدن التركية، وصحيح أيضاً أنّه لن يجد هذا الدعم في مدن جنوب شرق تركيا، حيث الصوت الكردي المنتقد له ولمواقفه. لكنّ أوزداغ الشخص هو الذي ينجح في تسجيل المفاجآت وتفجير القنابل الصوتية، وهي ظاهرة تعرّفت إليها أوروبا منذ نصف قرن في مواقف مشابهة بشأن طريقة التعامل مع اللاجئ والمهاجر والأجنبي المقيم، وعانت من ارتداداتها الحزبية والسياسية والفكرية. فهل تنتقل عدوى هذه الظاهرة إلى تركيا هذه المرة؟
ظاهرة حزب "ظفر" لن تصل حتماً إلى حالة اليمين المتشدّد أو النزعة الشعبوية اللوبانية أو الهوفرية أو الفيلدزية التي تعاني منها أوروبا. والجميع في تركيا يتجنب الدخول في نقاش أو الإجابة عن سؤال من الذي فتح الطريق أمام أوزداغ، ليبرز ويقوى على هذا النحو. لكن ما يجري يستحق الرصد والمتابعة، وعلينا انتظار مزيد من استطلاعات الرأي ونتائجها في الأيام القليلة المقبلة، لنتعرّف إلى حقيقة هذا الارتفاع الكبير في شعبيته، وهل سيواصل "ظفر" صعوده، أم أنّ الأحزاب التقليدية الكبرى ستوقفه عند حدّه؟
سيواصل أوزداغ صعوده، إذا لم يجد حزب العدالة والتنمية (الحاكم) حلاً لمشكلاته الداخلية والخارجية الكثيرة، وفي مقدمها ملف اللجوء وأرقام الغلاء والتضخّم والبطالة.
المصدر: العربي الجديد