الطريق
دعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى استمرار دخول المساعدات الأممية عبر الحدود إلى الشمال السوري حتى في حال استخدام روسيا الفيتو في وجهها، داعيةً الدول الكبرى إلى عدم الخضوع للابتزاز الروسي في مجلس الأمن.
وقالت الشبكة السورية في تقريرها الصادر اليوم الخميس، إن "روسيا طرف في النزاع السوري وتستخدم الفيتو مع ارتكابها والنظام السوري جريمة التشريد القسري"، مشيرةً إلى أنَّ ملايين السوريين المشردين داخلياً في شمال غربي سوريا بحاجة ماسة إلى المساعدات الأممية العابرة للحدود.
وأضافت أن اقتراب تجديد قرار إدخال المساعدات الأممية العابرة للحدود في سوريا يعد موسماً روسياً لابتزاز الأمم المتحدة والدول المانحة، إذ إن روسيا والنظام السوري يعتبران ملايين السوريين المشردين قسرياً بمثابة رهائن، على الرغم من أنهما المتسبب الأساسي في تدمير منازلهم وتهديدهم وتشريدهم قسرياً.
وبحسب ما أورده التقرير فإن الغالبية العظمى من النازحين على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها لم يرجعوا إلى المناطق التي سيطر عليها النظام السوري وحلفاؤه؛ خوفاً من ممارسات الأجهزة الأمنية الوحشية.
وفي مقابل ممارسات روسيا والنظام السوري، تأتي البيانات من الأمم المتحدة ومن منظمات دولية ومحلية بأن أوضاع المهجرين داخلياً في شمال غربي سوريا تتدهور من سيئ إلى أسوأ، ويقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أعداد النازحين في هذه المنطقة بقرابة 4.1 ملايين مواطن سوري يعتمدون على المساعدات لتلبية احتياجاتهم الأساسية، ويتلقى قرابة 2.4 مليون منهم المساعدات من خلال آلية تسليم عبر الحدود شهرياً.
وذكَّر التقرير بأن المهجرين داخلياً هم أضعف فئات المجتمع، لأنهم فقدوا منازلهم، وفرص العمل نادرة جداً، لهذا فالغالبية العظمى ترتكز حياتها على المساعدات الأممية، وفي حال تراجعها أو توقفها، فسوف نكون أمام مجاعة فظيعة، وبذلك فإن الحاجة إلى المساعدات الأممية في شمال غربي سوريا تفوق عتبة الضرورة، وتصل إلى مستوى الحاجة المصيرية التي تهدد النمو والحياة للمهجرين وبشكل خاص النساء الحوامل والمرضعات والأطفال حديثي الولادة. بحسب التقرير.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن "على الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا عدم الخضوع للابتزاز الروسي في مجلس الأمن، والتأكيد على أن إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود، الحيادية والضرورية، والموافق عليها من طرفي الحدود، ليس بحاجة لإذن من مجلس الأمن، وروسيا طرف في النزاع السوري وتستخدم الفيتو ضمن سياق جريمة التشريد القسري التي تسببت والنظام السوري بارتكابها على نحوٍ بلغ مستوى جرائم ضد الإنسانية".
وذكر التقرير أن مجلس الأمن أصدر عشرة قرارات متعلقة بقضية المساعدات الأممية الإنسانية في سوريا كان أولها القرار 2139 (22 شباط 2014) الذي طالب بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية في سوريا عبر خطوط النزاع، وتبعه القرار 2165 في تموز 2014، الذي أتاح إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود دون إذن النظام السوري، وتمَّ تمديده على مدار خمس سنوات لاحقة دون تعديل على بنوده
ومنذ بداية عام 2020 تصاعد الابتزاز الروسي وبدأ فشل مجلس الأمن في تمرير مشروع قرار تمديد تقديم المساعدات عبر الحدود عبر أربعة منافذ حدودية، بسبب الفيتو الروسي الصيني، وتبنى المجلس القرار 2504 الذي سمح بدخول المساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر معبرين حدوديين فقط، في حين حرمت منطقة شمال شرقي سوريا من دخول المساعدات عبر معبر اليعربية واقتصرت على المساعدات القادمة من دمشق؛ ما انعكس بشكلٍ سلبي على المقيمين في هذه المنطقة، ثم نجحت مجدداً في التضييق على إدخال المساعدات عندما اقتصر القرار 2533 في تموز 2020 على دخولها عبر معبر واحد.
ثم أدخلت أخيراً مفهوم المساعدات عبر خطوط التماس، والمقصود بها القادمة من مناطق النظام السوري نحو الشمال السوري، ويرى التقرير أن ذلك كان تمهيداً لإغلاق المعبر الحدودي الوحيد المتبقي، حيث نص القرار 2585 في تموز 2021 على تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا مدة 6 أشهر فقط، قابلة للتمديد التلقائي ستة أشهر أخرى، وعلى مرور المساعدات عبر خطوط التماس.
وجاء في التقرير أن دخول المساعدات الأممية عبر الحدود عمل مشروع ولا يحتاج إلى إذن من مجلس الأمن، ولا توجد قاعدة في القانون الدولي تنص على أن إدخال منظمة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة مساعدات عبر الحدود يعتبر أمراً غير قانوني، لكن مجلس الأمن قد احتكر هذه المهمة الإنسانية، وأدخلها ضمن صلاحياته، عندما أصدر القرار 2165، الذي كان في ظاهره داعماً للمساعدات الأممية وفي باطنه توسيعاً لصلاحيات المجلس بشكل تعسفي، وتحكماً في قضايا خارج اختصاصه، وبذلك أصبحت المساعدات الإنسانية تخضع للابتزاز والبازار السياسي بصرف النظر عن حاجة ملايين السوريين، وربما غير السوريين في دول أخرى.
وفقاً للتقرير فقد تضمن قرار مجلس الأمن 2585 بندين جديدين لم تشملهما القرارات التسعة التي سبقته، الأول إدخال المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس من مناطق سيطرة النظام السوري، والثاني: تحسين أساليب إيصال المساعدات الإنسانية داخل سوريا ومشاريع الإنعاش المبكر.
وأشارت الشبكة السورية عقب صدور القرار إلى أن هذه البنود تعد تنازلاً من الدول الديمقراطية لمصلحة روسيا، وتمهيداً روسياً ضمن سعيها الحثيث نحو إنهاء دخول المساعدات الأممية عبر الحدود، مما يتيح للنظام السوري التحكم الكامل بجميع المساعدات الأممية في سوريا.
وأوضح التقرير أن القوافل التي عبرت من مناطق سيطرة النظام السوري إلى شمال غرب سوريا على مدى قرابة عام ضمن إطار تطبيق القرار 2585، هي خمس قوافل، شملت 71 حافلة فقط، وتشكل قرابة 0.75 في المئة فقط من إجمالي المساعدات العابرة للحدود، مؤكداً أن للنظام السوري تاريخاً طويلاً ومثبتاً في نهب وتأخير وعرقلة إدخال المساعدات الأممية.
وأكد التقرير أنه استناداً إلى العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن على الدول مسؤولية السعي لتوفير المساعدة لسكانها، لكن النظام السوري حجب الموافقة عن المساعدات الأممية، كي تمر عن طريقه بهدف التحكم بها ونهب أكبر قدر ممكن منها.
وأضاف أنه لا يمكن لروسيا التذرع بمفهوم السيادة وموافقة النظام السوري، لأنه المتسبب الرئيس في تشريد ملايين النازحين، ولا يكترث بوصول المساعدات الأممية إليهم.
وأوصى التقرير مجلس الأمن برفع اليد عن التحكم بدخول المساعدات الأممية العابرة للحدود، فهي تدخل ضمن نطاق الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الشؤون الإنسانية. كما أوصى الجمعية العامة باتخاذ خطوات إضافية تجاه قرار يسمح بإدخال المساعدات عبر الحدود في حالة الضرورة والحجب التعسفي، لا سيما في ظل شلل مجلس الأمن، واستخدام الفيتو بشكل يتعارض جوهرياً مع حقوق الإنسان، وتوسيع صلاحيات مجلس الأمن على حساب حقوق الإنسان بما فيها المساعدات الإنسانية.