رضوان زيادة
عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتأكيد على الحاجة إلى المنطقة الآمنة في سوريا، مهدّداً بعملية عسكرية في الشمال السوري من أجل إبعاد قوات حزب "العمال الكردستاني" المنضوية تحت ما يُسمّى بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والسبب الآخر الذي يدعوه لإنشاء مناطق آمنة في سوريا، هو أن تكون ملاذاً للاجئين الذين فاق عددهم 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، وهم عنوان حملات سياسية دائمة من قبل المعارضة التركية في هجومها على الرئيس أردوغان.
وفي نفس الوقت تعهدت دول الخليج بتحمّل تكاليف إنشاء هذه المناطق، لكن إلى الآن ليس هناك وضوح سياسي وقانوني وعسكري لما يعنيه الرئيس أردوغان بالمناطق الآمنة في سوريا.
فهل سيلجأ إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة لإصدار قانون دولي يسمح بإنشاء مثل هذه المناطق، وعليه ماذا سيكون موقف روسيا في مجلس الأمن، والتي مارست حق النقض (الفيتو) ست مرات فيما يتعلّق بقرارات أخف لهجة بكثير وأقل تأثيراً في مجرى تطورات الحرب السورية، وهي مشغولة الآن بحربها ضد أوكرانيا.
إذ وقفت روسيا في البداية ضد إصدار أي قرار من مجلس الأمن يدين نظام الأسد على انتهاكات حقوق الإنسان وارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين السوريين، كما رفضت إحالة التحقيق في مثل هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، فهل ستسمح روسيا الآن باستصدار قرار أممي يسمح بإنشاء مثل هذه المناطق داخل الأراضي السورية، لا سيما أنها عارضت مثل هذه الأفكار على مدى السنوات الماضية، ربما يتوقّع الرئيس أردوغان أن ينجح في إقناع أميركا وروسيا المشغولتين بحرب أوكرانيا أن هذه المناطق الآمنة هي الخيار الأفضل بالنسبة لسوريا اليوم.
هذا على المستوى القانوني، أما على المستوى العسكري فيبدو الأمر أكثر تعقيداً، فإنشاء مثل هذه المناطق داخل الأراضي السورية يحتاج إلى إنشاء فرض حظر طيران جزئي على الأقل فوق هذه المناطق من أجل حماية المدنيين واللاجئين الذين سيلجؤون إليها، وهذا يفترض منه حظر طيران الأسد والطيران الروسي من التحليق فوق هذه المناطق وبالتالي تدمير أو على الأقل تحييد كل مضادات الدفاع الجوية والصاروخية لنظام الأسد التي يمكنها أن تهدّد مثل هذه المنطقة، وهو ما يعني بالتأكيد تدخلاً عسكريا أميركياً أو دولياً محدوداً في الأراضي السورية.
أعتقد أن كل القادة العسكريين الأميركيين والأتراك يعون ذلك، لكن هذا الالتزام الأميركي وحدوده غائبة تماماً من قبل الرئيس بايدن الذي من المحتمل أن يعارض أية عملية عسكرية الآن داخل الأراضي السورية، لكنه في الوقت نفسه بحاجة إلى الصوت التركي من أجل ضم فنلندا والسويد إلى الناتو وبالتالي ربما تغض أميركا طرفاً عن هذه العملية العسكرية مقابل توسيع الناتو.
الرئيس أردوغان متحمس جداً لهذه الفكرة وقد زار دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر والكويت من أجل البحث في تمويل مشروع كهذا، لقد كان إنشاء المناطق الآمنة مطلباً للمعارضة السورية، منذ عام 2012، عندما ازداد القصف العشوائي ضد المدنيين السوريين من قبل نظام الأسد، وأثيرت قضية التدخل الإنساني في سوريا على مدى السنوات الست الماضية بسبب ازدياد عدد الضحايا المدنيين بشكل كبير وتضاعف عدد اللاجئين، لقد ترسخ مبدأ حماية المدنيين تحت ضوء مذاهب ومبادئ القانون الدولي المطبق في مسؤولية الحماية والتي يطلق عليها اختصاراً (R2P).
منذ بداية الثورة السورية في آذار 2011، قتلت القوات الأمنية السورية ما لا يقل عن 600 ألف شخص، ووفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة فإن قوات النظام السوري هاجمت المدنيين باستمرار، وقصفت المناطق السكنية الكثيفة بمدفعيات، ونشرت القناصين والطائرات المروحية الحربية في المدن السكنية، واستخدمت الصواريخ الباليستية ضد المناطق السكنية، وعذبت المحتجين الذين اعتقلوا، كما جرى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في أكثر من مرة، كل هذه الأفعال تقع تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية كما عرّفها نظام روما الذي أقامته المحكمة الجنائية الدولية (ICC).
وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة، وتعتبر متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنيها من الإبادات الجماعية، أو التطهير العرقي، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية.
يبدو أنّ الرئيس بايدن بعيد تماماً عن استخدام هذه اللغة، فهو صامت تماماً عن الحرب السورية، لكن لا بدّ من التأكيد هنا أن ما حصل في سوريا على مدى السنوات الست الماضية يحقق معايير التدخل الإنساني لحماية المدنيين سواء عبر المناطق الآمنة أو غيرها، فالحاجة الآن إلى تطبيق مبدأ حماية المدنيين تعد رئيسية من أجل وقف الحرب في سوريا وضمان انتقال سياسي، وفي الوقت نفسه القضاء على تنظيم داعش، فالأمور الثلاثة مرتبطة بشكل كبير، إذ لا يمكن القضاء على المنظمات الإرهابية في سوريا من دون وجود حكومة شرعية تمثل السوريين وتعكس مصالحهم في إنهاء الحرب وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي وهو ما فشلت حكومة الأسد في تحقيقه.
المصدر: تلفزيون سوريا